Thursday 24 November 2011

الذكاء ..الغذاء.. والدماء


خلقنا الله سبحانه وتعالى في أحسن تقويم وجعل من أجسادنا ساعة دقيقة، تتحرك  عقاربها بدقة وحساسية ومفعولية، فنحن عبارة عن تفاعلات كيميائية عجيبة التركيب، تتفاعل مكوناتها بطريقة فيزيائية ، لا نعرف لها مصدرا ولا قوة، إلا بمعجزة من إله واحد قهار خالق الليل والنهار، والقائل في القرآن : فلينظر الإنسان مما خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب " صدق الله العظيم، وجعل من الغذاء متعة من متع الحياة، التي يسعى الإنسان معظم حياته أن يتفنن بصنعه، ويتعب بزرعه، ويتاجر برزقه، ويموت إن لم يتوفر، وتشن حروب وتحل مشاكل من أجله، ويدار اقتصاد بلدان بواسطته، ومن العجب العجاب أن تسقط إمبراطوريات بسببه،  تسألونني كيف؟ وأقول لكم عندما تلاحظون بروز البطون وزيادة الشحوم لحكام هذه الإمبراطوريات وشيوخها المتدينين، الذين يدينون بزيادة الأوزان والصحة في الأبدان ويملكون الملايين من الدنانير في جيوبهم ولبناء قصورهم، ولبسهم القفاطين التي تكاد تصنع من الحرير، ولكنها لعدم الإحراج تصنع من الشرنقة نفسها وتؤخذ خيوطها قبل قطاف مربيها، فدقيق الملاحظة عندما يزور معظم المتاحف في كل البلاد التي سقطت فيها الامبراطوريات وجابت في أوديتها الثورات، نلاحظ كبر حجم المقاسات مثل القفاطين العثمانية التي نشاهدها في المساجد الأثرية في تركيا، فيكاد الإنسان لا يصدق أنها لإنسان بل لكائن عجيب لا يمكن أن يحمل كل هذه الأوزان ويفكر بفطنة ويدير الأعمال، لذا سقطت الامبراطورية العثمانية لأنهم تركوا التمسك بالدين والإسلام وانشغلوا مع شيوخهم بملء البطون بأطايب الطعام والتسابق في اقتناص الحريم في مجالس الحرملك، ومنها جاء مصطلح الحريم في المملكة، وإلا كنا نسميها مثل القرآن "النساء" وهذه كلمة لها احترام وإجلال، كما نعرف أن الثورة الفرنسية  قامت على الكلمة المشهورة للملكة ماري انطوانيت عندما قالت لشعبها عندما لم يعد يجد حتى الخبز لإشباع جوع وطن بأكلمه إلا الطبقة الغنية:" لم لا تأكلون البسكوت بدلا من الخبز؟" ، وهي لم تقولها عن لؤم أو سخرية بل قالتها وهي بالفعل تعتقد أنهم - كما هي- يجدون البسكويت في الأسواق ولم تفكر بأن هذه الأكلة الارستقراطية مصنوعة من الدقيق الذي أصبح نادرا في البلاد، وكانت بالفعل لا تعرف مثل زوجها الملك لويس السادس أن الشعب يموت من الجوع والفقر المدقع، لأن ببساطة وزرائهم أخفوا كل ما يتعلق بشؤون الشعب ووضعوا ميزانيات الدولة في غرف المتعة والميسر، كما فعل من قبلهم الرومان، عندما سقطت امبراطوريتهم من كثرة اقامتهم لحفلات الأكل التي لا تنتهي إلا عند نومهم فأصبحوا ثقال الوزن ولم يعد يصل الدم إلى عقولهم ، ففقدوا امبراطوريتهم ، وأقدر أن استمر بالأمثال لأملأ كتبا لا تحصى ولا تعد عن أمم أصابتهم التخمة فزالوا عن وجه التاريخ بكل أطياف الأديان والمذاهب والأعراق، فالمرض واحد والنتيجة واحدة، أما الدماء فعلاقتها حتمية، كما ذكرت أعلاه، فمن أجل الغذاء تسال الدماء ، وتشن الحروب وتحصل الانقلابات، وتغير الأنظمة أملا بتوفير لقمة عيش كريمة، صافية، حلالا طيبا، فعندها نعلم أن الأكل بهذه الكميات وجلب أنواع الحلويات من شتى بقاع العالم وبناء مسجد في دولة خليجية مجاورة بتكلفة 554 مليون دولار، ونحن نمر بفترة فقر مدقع، هو نوع من فقدان القدرة على التفكير، ومرض بحد ذاته، يمنع المرء من التفكر والعبرة ممن كانوا من قبله، وفي المقابل نرى النحافة الزائدة حتى نكاد نرى العظام من وراء الجلباب أو القميص أو البدلة أو الثوب أو حتى العباية، فهي ليست موضة عالمية ولكنها حالة جوع بدائية، نراها حتى في بعض الأجهزة الحيوية الذين يجوبون الشوارع، ويفاوضون المواطن على وجبة مقابل رشوة، أو يمررون المتسللين عبر الحدود مقابل مبالغ يتقاسمونها مع رؤوسائهم الذين لا يعانون من النحافة، بل من التخمة التي لا تنتهي أبدا، فنرى في مجتمعاتنا النقيضين: النحافة والفقر والتخمة والغنى، والكل يعاني من مرور الدماء في أجسادهم، لأن الأول لا يملك الكفاية لضخ الدم إلى عقله ليفكر كيف يطعم أهله، والآخر وقفت الدماء عند حدود بطنه لأن الغذاء عطل الدورة الدموية التامة التي تمر بعقله ، فأصبح مشلولا لا يرى ولا يسمع ولا يحس إلا بالكسل والأمل في الوجبة التي تليها ويتصور أصناف الطعام والحريم للوجبة القادمة، وإن كانت أنثى فالعكس صحيح. وهكذا تدور الدائرة ويتصل العقل بالغذاء مع الاحساس بوجود بعض الدماء في الأجهزة التي من المفروض أن يكون عندها دم وتستيقظ وترى وتشعر بالمعاناة للشعوب المقهورة.

لو بقيت أتكلم من الآن حتى نهاية العالم وقيام الساعة ويوم الحساب، فلن أغير شيئا في أقوام أعماهم الله ومدهم في طغيانهم، فإنها المشيئة إلهية، ولكن في المقابل قال الله سبحانه وتعالى "بَلِ الإنسان عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ"، فيجب أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وإذا أتت قدرتنا على الناس فلا ننسى قدرة الله علينا، فأحببت أن أذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين، هذا إن وجدوا في هذا الزمان وهم قلة، فلن أستطيع حل ولا مشكلة واحدة من الفساد والإفساد في المجتمعات، لأنها أصبحت ثقافة عامة عالمية مشتركة في السوق العالمية للتجارة والاستيراد والتصدير ، فأينما حللت أراها بوضوح في كل البلدان التي نحسبها بعيدة عن ثقافتنا وديننا، ولكن في الأخير تعاني نفس المشاكل ولكن بألوان مختلفة ومذاقات متنوعة ، إنها ثقافة العولمة في الدين والدنيا.

جبت العالم ورأيت بعين مبصرة مثل النفق المؤدي إلى مطار لوس أنجلوس في أمريكا ، عندما تهطل الأمطار يسد ويغلق ، مع أنه صرفت أموال هائلة لتصليحه عبر عدة مجالس في العشرين سنة الأخيرة ، وهذا ذكرني بوضوح جلي بأنفاق جدة وسيولها، عجبا لهذه المصادفات، أم هي طمس الهوية واستيرادها من غير تنقية جوية ، لأن شبابنا وكهولنا وحتى رؤوسائنا معظمهم ممن تعلموا في أمريكا والمعجبين بها حتى لو قالوا العكس، فلا عجب من حالتنا الرثة الملوثة المهترئة من هذه الثقافة المستوردة والتي طالما كانت بلا هوية ولا جذور ولا انتماء إلا للدولار، حتى أبادوا أهلها الأصليين، فما هم إلا المطرودين من القارة الأوربية في الأزمنة المنسية، واستعبدوا القارة الإفريقية، ومن بعدها وصلوا للعالمية، وها نحن نرى النتيجة الحتمية ، وأصبحوا مثل ماري انطوانيت لا يعرفون البقية من القصة الأسطورية.



همسة الأسبوع

لا أدري من بعد الآن ما الفرق بيننا وبين الدول الفقيرة أو الغنية، العربية أوالأعجمية أو الإفريقية، فالمشاكل أصبحت نفس الهوية والطابع والجنسية ولكن بأقنعة وهمية.

  *كاتبة سعودية

3 comments:

  1. والله تعبت والشكوى لله

    عمري 30 سنة ولاوضيفة ولاسيارة ولازوجة ولابيت ملك ولاحتى قطعة ارض اضع فيها احلامي واماني انه في يوم سأبني لي فيها بيت,والله قهر عندما ترى من حولك قد امن مستقبله وتزوج وانت حتى لا تستطيع ان تؤمن لقمة عيشك,

    انثرو الحب على رؤوس الجبال حتى لايقال جاع طير في بلاد المسلمين. رحمك الله ياعمر بن عبدالعزيز

    اليوم جاع بشر في بلاد المسلمين

    شكرا ياسمو الاميرة

    ان شاء الله ماترين هذا الحال في من تحبين

    ReplyDelete
  2. blogwalking ...

    http://ldiisampit.blogspot.com/

    ReplyDelete
  3. اريد ان أحملك أمانه وستسالين عنها اذاكنتي صادقه في مقالاتك والكثير يشككون بهذا الشئ اريدك ان تبذلي قصارى جهدك في قضيتنا نحن الخريجات العاطلات حاملات البكالوريوس لنا اكثر من عشر سنوات ولم نتعين او تشملها اي وظيفه درسنا من اجل ان نعين أسرنا ولكن اصبحنا عبئا عليهم وخصوصا في منطقتنا الحدود الشماليه هناك اميره وقفت ضدنا بالتعيين بسبب ان المدارس دائماً مكتفيه أسالك باسم الله العزيز الذي لن ينفعك احد غيره ان تتدخلي في قضيتنا وتجدين حلا لنا ضاع شبابنا مع الانتظار وذهبت طاقاتنا ونحن ننتظر وننتظر أصدقك قولا ان اكثر الشعب السعودي يتمنى الهجره لدول الخليج او الثوره. خريجه مظلومه

    ReplyDelete