Friday 26 March 2010

مخدرات العقول والأجساد

إنني أكتب هذه السطور بقلمي الأسود اليوم معبرا عما يدور بداخلي من ألم عميق لما آلت إليه أحوال شبابنا وبناتنا وجعلتهم في مهب ريح صرصر عاتية، هزات أرضية، براكين ثورية عما عهدناه في أيامنا الخالية ، موضوع كنت مترددة عن كيفية طرحه بما فيه من أمور مخفية، وإجلاء حقيقة واقعية، عن مجتمع تداعت عمدانه من أعماق البحار صعودا إلى أعالي القفار، فالوازع الديني عند مجتمعنا أصبح لسانا بلا فعل، رسالة أكتبها لكل شاب وشابة ، لكل ولي أمر ، لكل مدرسة ومدرس، لكل كلية وجامعة، ومعاهد علمية، فقد استولت المخدرات على عقول أبناء وبنات الوطن بشكل يمثل شرارة نار واشتعلت، وأشعلت معها قواعد وأسسا بناها أبناء هذا الوطن الحبيب، بكد وتعب، وصانها أولياء أمورنا على مدى الأزمان ، فوزارة الداخلية تعمل ليلا ونهارا لمحاربة الإدمان والمتاجرة بالمخدرات ، ولكن لا جهاز ولا حكومة تقدر أن تصفق بيد واحدة لتحمي أبناء وطنها من هذا الوباء الذي استشرى في مجتمعنا بشكل مأساوي، لم أملك أمامه، ولا من القصص التي أسمعها وأقرأها عبر بريدي الالكتروني ، وأعايشها يومياً عبر قصص تروى لي من قبل أولادي ومعارفي من أطباء عن شباب وشابات وحتى من هم في منتصف العمر أصبحوا مدمنين بلا رجعة ولا ضابط ولا حدود، إلا أن أتساءل هنا أين أولياء الأمور؟ أين المعلمون؟ أين الهيئات التعليمية؟ أين الحلول الجذرية؟
أجيال من شبابنا تائه بين كل ما هو يذهب بالعقل ويفني أجسادا خلقها الله لتكون عابدة طائعة وليست تائهة في ظلمات أودية الضياع والأحلام تحت تأثير المخدرات والمسكرات، فأصبحت طوع بنان لكل ما ومن يوصلها حالة النشوة لتدفع بها إلى أعالي السماء ثم تهوي بها إلى ظلمات الأودية المظلمة، أو الموت الذي هو نهاية حتمية لمن يسلك هذا الطريق بدون رقابة أسرية ، ولا رعاية أبوية، ولا حماية اجتماعية، فأين المعاهد المتخصصة، والحملات الميدانية ضد هذا الوباء الذي يدمر أجيالا من أبناء وبنات وطننا .
فأنفلونزا الخنازير فعلنا وتسابقنا وهلعنا، ووضعت الوزارات المعنية خططاً للوقاية والعلاج السريع، واستنفرت الجهات العليا كلها للحماية، والمخدرات والمسكرات تنهش أجساد وعقول أبنائنا، ونحن كالعادة نختبئ تحت ستار الفضيحة والعار ونغض النظر عن التصرفات الشاذة والعادات الهادمة وندرجها تحت غطاء الستر، والمفهوم من المثال «خليها في القلب تدمي ولا عند الناس تروى»، (وأن الله أمر بالستر»، مفاهيم مغلوطة لمشكلة مستعصية وخراب ودمار بيوت وأسر تحت غطاء الظلمات وفي سكون الليل، وهنا لا اقدر أن أسترسل بما لدي من معلومات عما يجري كملحقات وتبعات لهذه العادات المدمرة من شذوذ وخراب لا يستطيع قلمي أن يخطه عبر هذه السطور .
أما الضياع الآخر للعقول وحتميتها اللاحقة للأجساد فهي الكتب التي تسرب إلى كلياتنا الأهلية وجامعاتنا بمعرفة أصحابها ومدرائها ومؤسسيها كتب دراسية لمناهج الفنون والله أعلم ما هي الفنون، فنون عبارة عن أجساد عارية وصور فاضحة، ومناظر منحلة ولكنها تحت اسم الفن الغربي والمناهج المتقدمة، وأنا هنا لا أتكلم عن راوٍ بل هي بحوزتي، وقد حاولت الاتصال بوزير التعليم العالي مراراً ولكن لا صوت لمن تنادي، وحاولت أن أتناقش وأعرف لماذا توزع هذه الكتب لبناتنا من دون رقابة وحذف لهذه الصور البشعة والعلم الذي سيضيع بناتنا وشبابنا ضمن دائرة مغلقة من أطر تاهت فيها العقول والأجساد لتتطوع تحت مسمى الحرية والفنون «الراقية» وهي من أقبح ما يقدم حتى في البلاد الغربية، وكان جواب المسؤول عن الكلية أنها سهوة وجل من لا يسهو، مع أنني شرحت له أنها المرة الثانية التي يقع تحت يدي كتب فيها هذه الصور الفاضحة بعلم من المديرة والهيئة الرقابية التي وعدتني بعدم تكرارها مع أنها كانت في الأيام الأخيرة من نهاية الفصل الدراسي الأول.
وهنا أتساءل هل هي متعمدة؟ وجواب نفسي لنفسي:نعم، لأنها كررت ولا صوت لمن تنادي، وكله باسم الحرية والعلم والعلمانية، والتقدم بدون ضوابط شرعية ولا ضمائر حية، فمن منبري المتواضع هنا أناشد وزير التعليم العالي أن يتقصى الحقائق والطرق التي تدار بها هذه الكليات الأهلية، ومقاصدها ببث هذه التعاليم»الراقية»!، مسببةً ضياع جيل بأكمله من وراء هذه الطرق الملتوية لزرع كل ما هو يضيع شبابنا وعقولهم وأجسادهم ليصبحوا أداة تستعمل بأيدي كل من يستهدف حضارتنا وهويتنا الإسلامية، أناشد الوزراء المعنيين لحماية هذه الأجيال من الضياع الحتمي لعقولهم وأجسادهم الغضة وليقصوا الحقائق بعيداً عن « أنا أعلم « «و»سنعالج الموضوع» ! فلنضع معا حلولا جذرية هم مسؤولون عنها أمام الله ثم الوطن.

همسة الأسبوع
يا وطني!
صرخة من أعماقي

Monday 15 March 2010

موت امرأة وأفراح نسائية

غيب الموت إحدى السيدات التي لا أعرفها جيدا بل معرفتي هي عبر الهاتف لم تستمر إلا لثلاث دقائق ، وثمرتها عبر الأثير شعور متبادل بالارتياح النفساني وكأننا نعرف بعضنا منذ زمان، وللمفارقة كانت مواضيعها عملية بحتة ولم تكن لتبادل الآراء أو الاستشارة أو معرفة أحوالها الاجتماعية، ولكن وعبر الخطوط اللاسلكية سرت مشاعر داخلية سرية ، أنثوية، تنم عن معاناة إنسانية لامرأة مكافحة أبية ، لم تشتكِ ، لم تبكِ ، ولكن كانت عباراتها شجية مملوءة بأحزان خفية، ولكني التقطتها عبر رادارتي الأنثوية وحاستي السداسية، فكان الانسياب والتوافق واضحا، ومليئا بالتساؤلات ، وانتابتني حالة لم أعرف لها سميا، وبعد يوم واحد من مهاتفتها لي تلقيت خبر موتها الفجائي ، الذي هزني من الأعماق وعرفت في لحظتها أن لله ما شاء وما قدر ، وعرفت مصدر أحاسيسي الغريبة التي راودتني عند الاتصال الأخير وسألت عنها وعن أحوالها الأسرية، فعرفت سر أحزانها وأسرارها الدفينة التي أبت أن تنشرها للعامة، فكانت أبية الروح ، صامدة الموقف، محرومة ، معطاء، مثالا للمرأة المناضلة التي تدير معاركها بصمت واحترام ورقي لا ينبع إلا عن أخلاق إسلامية محمدية لما يجب عليه أن تكون المرأة في أحوالها الدنيوية ، فقصتها مزيج من ألم وعذاب من رجل هذا الزمان الذي دائم الأخذ وعديم العطاء، والذي أصبحت سمته الإذلال والاستغلال ، وباختصار العنف الأسري الذي هو سمة هذا المجتمع الذكوري الطابع، المتخفي تحت ستار الألقاب والشهادات العلمية، لأنماط من الرجال استتروا تحت عباءة الأسماء والقبيلة، وحتى الدونية، لنمط لم نعهد له هوية في الأزمان الماضية ، ولا في قصص أجدادنا التي تزينت بقصص السيد، والرجل، وسي السيد، ولكن بأشكال وقصص مروية عن ذكورية الرجل، وأنوثة المرأة والعطاء المتبادل تحت ستار الليل وفي أروقة المخادع من حب وحنان وعشق ورحمة ، وزوال الأقنعة اليومية التي كان يزاولها الرجل لإثبات رجولته من بحث دؤوب للعمل وعن مصدر رزق يفتخر به عند أنثاه ، ويؤمِن لها كل ما تشتهيه من أمور دنيوية وهي بالمقابل تسعى لمرضاته بشتى الوسائل والطرق وتبني له عشا يستقر به في كل ليلة، وهكذا تدور الأيام ، فالفجيعة الكبرى في أيامنا الحالية هي ما نراه ونسمع من قصص تبكي العيون الإنسانية وتغلي في النفوس الأبية من نساء ورجال لا يزالون يغارون على النفس البشرية وآلامها المستمرة الباحثة عن الحرية والمساواة والمعاملة السوية، فمن ضرب لمربية أجيال وسلاطة اللسان وخيانة، وابتزاز، وطرد وتشريد أسرة، فكانت هذه قصة هذه الإنسانة الذي هزني موتها، وبسكون رحلت، كما جاءت، وكانت قصة منسية
وخلفت وراءها رجلا بلا ضمير، ولا أخلاق محمدية بمجتمع أصبح لا يأبه بهذه الحالات، ويهمشها ويعتبرها حالات فردية، وهي وبكل أسف أصبحت هي الهواية والهوية الوطنية لذكورنا بكل الأطياف والطبقات الدنيوية ، وأولاد صغار سينشأون على سيرة أم ذهبت وشوهت سمعتها من قبل أعمامها وعماتها وأب لا يتحلى بضمير ، وتدور الأيام وتبقى القصة المأساوية تعبر عن مجتمع أصبح ضميره خاليا إلا من الأنساب والحسابات البنكية، والسعي الدؤوب للعيش على فضلات المجتمع المخملي وانتسابه للألقاب المدوية.
وبالمقابل ظاهرة الأفراح النسائية التي ظهرت أخيرا في المجتمع وفي الصحف المحلية التي تطلقها النساء عند حصولهن على طلاقهن، وهن يصرخن أخيرا تحررنا، ويعلن على الملأ عن قصصهن منها الحمراء ومنها الصفراء ومنها المدوية بتفاصيل يخجل ويندى لها الجبين من تفاصيل عن عشرة أيام وسنوات وعقود مرت مع رجل مجهول الهوية ، فأصبح في حفلاتهن معروف القصة والتفاصيل وحتى اللحظات الضائعة بأروقة المخادع وما لها من حرمة دينية، فيتكلمن عن سيرتهم وكأنهن بها سيصبحن أساطير مروية في مجتمع نسائي، تعلوه مفاهيم خاطئة عن الأخلاقيات الأدبية الراقية بمعانيها وتعاليم دينها الذي أمر بالستر عند الابتلاء إلا إذا كانت عند ذي القربى، فأما نحن فمذبذبون بين هذا وتلك وذين، ولم نعد نعرف المعادلة الصحيحة، بين افتراق دربين لم ولن يلتقوا أبدا من علو امرأة وانحطاط القيم النسائية، فلا معادلة ، ولا مقارنة ، ولا حتى أمثال شعبية قادرة أن تلم شمل المرأة في حياتنا العصرية التي لم يعد يوجد للمرأة ولا المجتمع صفة الوسطية.
همسة الأسبوع
الموت لا يغيب إلا الأجساد المنسية ، أما القلوب النابضة بالحب فتبقى ذكراها أبدية.

Monday 8 March 2010

رحلة التيهان

حالة تتكرر كل يوم، ووجوه تتكرر كل يوم في مسيرة الحياة العصرية طرقات تملأها السيارات من كل لون ووطن، كأنه لا يمتُّ لنا بِصِلِةٍ. فها هي نفس الوجوه، ونفس الغتر، وإن كانت جيفينشية، أو أرمانية ونساء تلفهن عباءات فرنسية، وإيطالية، ومحلية، وشالات مطرزات بالدرر النفيسة، والمقلدة. يتسابقون للوصول لعنوانيهم المجهولة الهوية. مدارس تمتلئ بطلاب يغشى سيماهم النوم والشعور باللامبالاة، وتكرار للصيغة العلمية. صحفنا مليئة بأخبار من كل حدب وصوب من فساد وإفساد، ومعارك وثنية بين قبائل وحدها الله ثم صقر الجزيرة العربية، معارك حسب ونسب وغيرها من عادات الجاهلية، ألم يجئ خير البرية ليوحد ويؤاخي بين الأبيض والأسود ويدحر الأنساب لانسياب الأخوة البشرية، ألم يقل الله في كتابه “... وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا”، ألم يقل النبي الكريم محمد بن عبدالله القرشي التهامي: “إنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى”؟روتين، وتدور عقارب الساعة، وترجع الأجساد المتهالكة إلى عرينها بأقنعتها، ولا تخلعها بل تنام القيلولة فيها، لتستيقظ بعد هذا وتمارس حالة التكرار والأدوار، فضاعت الهوية الوطنية وراء وجوه لنساء شبيهة بل طبق الأصل عن نانسي عجرم، وهيفاء وهبي، وإليسا، ووجوه رجال تحاول أن تستعيد شبابها عبر عيادات التجميل الوهمية، وشباب يطيرون وراء كل موضة منها ما يسمّى الديرتي لوك وغيرها من الأسماء الرومية، وشابات ضعن وسط زحام الأسواق والمولات العصرية، فالتقى الجنسان في المقاهي والمطاعم الغربية، محاولين كسر رتابة حالة التكرار المجهولة الهوية.الكل تائه يبحث عن عنوان وشخصية وهمية ليمارس ما تمليه عليه الصحف والوسائل الصورية من إعلام قد مجد ممثلين وممثلات، فأصبحوا القدوة والمثال للغة العصرية. حتى حياتنا وهواياتنا أصبحت في طي النسيان، ومعالمنا ضاعت بين العولمة والانقياد إلى كل ما هو شاذ، فهذه هي اللغة العصرية، حتى مشكلاتنا الاجتماعية توارت خلف قضبان الحياة الغربية، من سوء معاملة، وعقوق، وحرمان، وقتل النفس البريئة، إدمان، ومخدرات بالأطنان تنسل إلى بلادنا لتأخذ بعقول شبابنا وكهولنا، وخمر الدنيا الذي أصبح له مصانع محلية، وتمتد يد العدالة لتجهضها في بداياتها، ومن بيوت دعارة آسيوية ومحلية تختبئ تحت جناح الظلام لتخرّب ما بقي من أخلاقنا المحمدية، ماذا حصل لنا؟ رحلة تيهان تمتد إلى جذور ترابنا لتقتلع بنياننا من أساسه، وتنثره للرياح العاتية، أسواق أسهم يتعلّق بها التائهون، ويحلمون بالثروة الفورية واختلاسات وسرقات جهورية، ومازلنا نتحدث عن لباس المرأة، وكفيها، ونعليها، ومشيتها، وعباءتها، وحجابها، وقيادتها أو عدم صلاحيتها لقيادة الأجيال، ونسينا أن التقوى في قلب الإنسان وليس بالبراقع الأنثوية التي تثير وتكشف أكثر ممّا تخفيه من مشاعر ثورية، وتقصير الثياب للرجال، وإطالة اللحى التي تتناثر ذات اليمين وذات الشمال، وفتاوى عصرية لا تمتُّ بِصِلِةٍ إلى السنّة، ولا الفقه، ولا الأحاديث المروية، تائهين وسط الظلام في رحلة عصرية بين رياح الملل، والمذاهب التي لم يضعها خير البرية، أين الفتوحات الأندلسية، وأيام المجد والشجاعة، وأيام خالد بن الوليد والصحابة، وشهامتهم، وأخلاقهم الإسلامية، أم أنني أحلم وأتوقع كل يوم تغييرًا جذريًّا في نمط حياتنا المتكررة، فلا من التاريخ تعلّمنا، ولا السيرة اتّبعنا، ولا حتى الرياضات الإسلامية من الفروسية، والسباحة، والرياضات الدفاعية، أمضينا فيها أوقاتًا تذروها الرياح بلحظات تافهة ما بين الشيشة والمقاهي والقهوة الغربية.. أين قهوتنا العربية؟ أين المروءة؟ أين البر والإحسان والوفاء والصدق وصلة الرحم التي أقسم بها الرحمن؟ أين تقوى القلوب ورضا الرحمان، فها قد تهنا في رحلة التيهان، فهل من ملبٍ؟همسة الأسبوعأصحاب العقول العظيمة لديهم أهداف وغايات، أمّا الآخرون فيكتفون بالأحلام، فعندما تطلب تحقيق ما هو مستحيل تحصل على أفضل ما هو ممكن، فوضوح الأمل مثل بزوغ الفجر.

Monday 1 March 2010

عيد الحب وأهالي حي السامر والمرأة


للوهلة الأولى يتبادر إلى ذهن القارئ ما هو الرابط الحقيقي لهذا المثلث الذي لا تلتقي زواياه أبدا؟ فالزاوية الأولى هي قراءتي لخبر نشرته الزميلة الشرق الأوسط في زاويتها الفنية ليوم الجمعة 5 ربيع الأول ، والذي أوحى وكأن الصحيفة لا تنتمي للعالم الإسلامي فتجعل مواضيعها على الأقل في هذا اليوم الفضيل أقل استفزازا لمشاعرنا كمسلمين عن حكايات أهل الفن وطقوسهم الدينية ، فقد كتب الزميل عبدالله مخارش من بيروت عن حظه السعيد بمرافقة فنان العرب محمد عبده ورابح صقر في حفلتهما في يوم عيد الحب، ووصفهما أنهما ألهبا هذا اليوم الذي هو في الأصل مشتعل ويحترق تحت انحراف العادات الغربية التي باتت هاجسنا ليلا ونهارا، والأشنع والأعجب في تغطية الزميل وصفه بأن الفنان محمد عبده قد توقف عن الغناء لأداء صلاة الفجر احتراما لدينه ثم عاد إلى الحلال من الغناء والطرب والجلسة الصباحية على أنغام وكلمات وهمية في تلك الليلة والفجرية والصباحية التي كان من الممكن أن ينشد فيها أنشودة عائض القرني الدينية كختام مسك وعنبر وروح وريحان .أما الزاوية الثانية فهي عنوان جريدة المدينة لنفس اليوم عن نداءات الاستغاثة من أهالي حي السامر وبالحرف الواحد:» مساجدنا ومدارسنا أصبحت محاطة بالمخلفات والمياه العفنة» ولا حياة لمن تنادي ولله المشتكى وما إليها من مآسٍ في هذه الأحياء، أين الضمير الإنساني؟ ، أين النخوة الإسلامية؟ أين البلدية ؟ أين الأمانة؟ أين الأمانة الملكية التي سلمها ملك الإنسانية لذوي الضمائر؟ أين محمد عبده ورابح صقر ومطربونا وجلساؤهم وجمهورهم من هذه المأساة الإنسانية ، فهم يحتفلون بعيد الحب، وفي وطنهم وشوارع وأحياء مدنهم احتفالات بهدم القيم الإنسانية ، أين تعاليمنا المحمدية بأن أيامنا كلها حب وتراحم وإنسانية وبأنه لم يبعث صلى الله عليه وسلم إلا لإتمام مكارم الأخلاق في الجاهلية لتصبح في عهده النوراني منهجا، قمة الحب والإخاء بين مختلف الأطياف من القبائل ، وأن الله كان بعون العبد ما دام العبد بعون أخيه، ألم يكن الطرب في الجاهلية، والمزامير هي سمة جلساتهم ولهوهم وقمة اتباع الأهواء البدائية ، ثم أصبحت بعد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم جلسات تبادل أفكار وحوارات إلهامية، وقمة من الثقافة الكونية، وتنافس على تصدير الحضارة الإسلامية بما فيها من اجتهادات في سكون الليل من عمق التفكير وشذى التعبير، ويناجون السميع المجيب في ساعات ما قبل الفجر ، ونهار يسعون فيه لمعاونة الضعفاء ونشر العدالة وتقويم أمور الناس من الألف إلى الياء.أما الزاوية الثالثة فمقال الشيخ عائض القرني حفظه الله في نفس اليوم عن عدم كفاءة المرأة كحاكم في الإسلام واستنباطه من آية كريمة في القرآن تعجب الهدهد لولاية امرأة عرش بلد لم يكن به حروب ولا مناوشات ذكورية ولكن أمرهم شورى، وحديث شريف بأنه لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، وهنا أعترف بأنني لا أملك الشهادات الدينية ولا الخبرة العلمية لأناقش سعادة الشيخ وغيره ممن يتبنون هذه الآراء عن صحة وإجماع وقياس هذا الحديث ، ولكني أزعم بأنني أملك فهما عميقا لما آلت إليه المجتمعات والأوطان على يد الذكور على مر العصور، من دول وعصور أموية وعباسية وعلوية وعثمانية وفاطمية ، وما آلت إليه هذه العصور من بطش وتدمير للآخر ، حتى الاخوة كانوا يقتتلون من أجل السلطة، ولم يسلم آل بيت النبوة من الهمجية الذكورية .هل كان أهل السامر سيعانون لهذا الحد ويتعرضون لهذه المآسي لو كانت امرأة على رأس الأمانة برحمتها وحنانها التي يعيرها بها الشيخ القرني ويجد أنها سمات لا تصلح لأن تكون في الحكم؟ أين الفهم الإسلامي العميق لدور المرأة في الدين والدنيا والقرآن، والفهم لكيفية استغلال هذه المزايا الإلهية لقيادة أجيال قادمة إلى النجاح والتنظيم والصبر، أولم يكن الحمل والولادة والتربية قدرة إلهية منحت للمرأة بأن تكون مربية الأجيال وحاملة الرسالة ، فلم ننكر عليها تولي القيادة بعد أن تتم واجباتها الأسرية ، وتصبح في سن متفرغة لإعطاء ثمرة جهودها وخبراتها بالطريقة السلمية والإنسانية لوطنها وأجهزته التي أعقمت من الرائحة الذكورية، ولا أنسى هنا تذكير شيخنا أن يكتب عن موقفه من عيد الحب ومطربيه عوضا عن تذكير المرأة والرجل والمجتمع برؤية لا تعبر عن تطلعاتنا لدور المرأة في مستقبل بلادنا مع كل احترامي وتأكيدي على دورها الأول والأهم وهو تربية الأجيال ، وفي قضايانا المعاصرة من سيول وإنسانية وواجبات المسلم وحثه على مساندة أخيه من فقه في الأخلاق والمعاملات المحمدية لكل العصور الماضية والآتية.

همسة الأسبوع

لحظة واحدة يتأملها الإنسان تحمل إليه صورة مبنى عظيم، إنها لحظة يتضاءل أمامها كوم من الصخور.