Monday 11 June 2012

من يكتب المصير وينفذ العناوين


كما العادة من بعد رحلة قصيرة المدى وطويلة المعنى، يزيد إدراكي للمعاني، والقراءة لما بين السطور، ومن بين العناوين، وتقرير المصير، فقد كنت في ملتقى دولي في تركيا الأسبوع الذي مضى، ويا للصدفة ( أم لم تكن صدفة)، أن تكون كل المؤتمرات لتقرير مصير المنطقة بأسرها، في الفندق المجاور والذي اجتمعت فيه كل المحاور لرسم الخطوط والحدود، وما بين السطور، ومصافحة الأيدي والتحامها، بينما يموت الإنسان على قارعة الطريق.
دماء الأمة العربية تنزف من الوريد، والسكين تقطع الشريان الذي يضخ السلام والإسلام للقلب المريض.
ها هي الدول الكبرى تجتمع لتقرير المصير، ونحن لا نقرأ حتى العناوين، ونتغنى، ويكون إلهامنا من الأغاني الغربية، مثلما أعلنت "منال الشريف" تأثرها بأغنية "الوحدة" لفرقة الباك ستريت بويز، بدلا عن أغاني فيروز وأم كلثوم، وما محاه التاريخ من هوية عربية، ووضع بدلا عنها، أسماء جديدة لا تعبر عن أي هوية عربية.
وعلى كل حال ما يوجد على الساحة من فنانين لا يمتون إلى الفنون بصلة، ولا الطرب العريق، والكلمات الملهمة، والشعوب العريقة، التي كانت تستمد عنفوانها من شعراء العرب، ذهبوا من غير رجعة، ووضع بدلا عنهم شعراء يقولون ما  لا يفعلون، ويملأون الساحة بكلمات لا تناسب لا الحقبة، ولا ما يحدث في المنطقة من حرق ودمار وتشريد، فلابد لأجيالنا وللأجيال القادمة من أن نلتفت إلى ما يوجد في الساحة، وهو غريق يستنجد في عالم يعطي بالمئات فنانين وكلمات تعبر عن حريات ومشاعر ، كل يحلم بها في عالمنا المظلم، الذي لا يتكلم إلا بمصطلحات مذهبية وعرقية، ويخط تاريخا أسودا قاتما ، لا ينم إلا عن جهل تام لما يدور من خلف الأسوار والمنجنيق، ولمن لا يعرف ما هو المنجنيق، آلة كانت تستعمل في عصور مضت كآلة حرب بدلا عن الصواريخ.
لماذا خلف الصواريخ؟ لأن الصواريخ ممكن أن تكون لغة، أو اتجاه عميق لكل ما يفرق الأمة ويمحو خارطة الطريق، لنضل،  ومن بعدها لن نرى أين نحن ذاهبون؟ إلى مشنقة التاريخ، أم إلى الانضمام إلى بلاد الإغريق؟ لنصبح كتلة من غير بريق ولا شعاع ولا اسم، ولا هوية تدل على ما كانت عليه أجيال مضت في بناء تراث مبني على الجمال، والعطاء، والوحدة، وإن اختلفنا في لفظ الواو والقاف وبقية حروف الأبجدية، التي صارت في مهب الريح، واستبدلت برموز وفك خطوط لا تسمن ولا تؤمن من جوع، ولا تقي من لهيب الشمس، ولا الحريق، الذي يمتد في جسم الأمة العربية والإسلامية، فلن يبقى شيء إلا الرماد الذي سيبعثر في أجندات وضعت هنا وهناك ولن يبقى حتى الاسم العريق لأمة محمد، ولا للغة الضاد التي وحدت بقع من الأرض وأزالوها حتى من خارطة ما كان يسمى بالأمة العربية.
عتبي، وكل العتب، على أختي منال الشريف التي باتت أيقونة يتبعها كثير من الشبان والشابات في بلدنا الحبيب، ويعتبرونها فارسة شجاعة تخترق كل الحواجز وترجع سالمة إلى أرض الحرمين، محروسة ممن؟ هذا ما لا أفهمه من هذه التركيبة العجيبة، في قصة هذه الإنسانة الجريئة الشجاعة! التي استمدت قوتها من أغنية غربية لا تمت لجهادنا بشيء،  إلا علامة استفهام، بأن الغرب يقدم لنا الحلول، وحتى الإلهام فقد عنصر الإسلام والهوية العربية.
فبدلا من أن تتعمق وتقرأ قرآنها الذي أعطى المرأة كل شيء وتحاج مجتمعها بلغة ربها، الذي اعطانا في قرآننا ما لم يعطه لأحد من قبلنا، وتستشهد بآيات وبالسنة النبوية، في محاكاة الغرب لتظهر له أن لنا دين حكيم ورسول عظيم، أعطى كل ما تطلبه هي من حقوق، ولكن العلة ليست من مجتمعنا ولا ديننا، ولا حكومتنا، بل هي من أجندات وضعت لتحويل مسار الأمة، وتغيير الهوية وانصهارها بالعولمة، حتى لا نصبح، ولا نظهر إلا بمسمى الإرهابيين، ومسميات تظهر كل يوم على الساحة، من شبيحة وليبراليين وناشطين وغيرها، وقد حفظها حتى اوباما، ويعرفها أكثر ما يعرفها قادتنا في الأمة العربية والإسلامية،  قضيتنا كلها واحدة فمنال الشريف وغيرها وحتى من يعاديها ولا يوافقها في آرائها، كل أضاع الطريق والقضية الرئيسية: وهي إعطاء الحقوق من غير هدر لقيم الأمم والشعوب، فليس من الذكاء ولا الحكمة أن تهد أمة حتى نبني على أنقاضها حكم آخر يعطي حقوقا، فالمهم الآن أن نصلح ونرمم المفاهيم، ولا نستنجد بالآخر، ونصلح ما في أنفسنا ونرجع للأصول، فأمم بلا أصول وتاريخ عريق وأمجاد وبطولات، سينشأ منها جيل ضعيف النفس، حتى ولو استعمل لغة القوة والرشاشات.
ما نحتاجه وبقوة هو التحام الصفوف، ونبذ التفرقة، والدعاء على غيرنا من الشعوب بالإبادة والإزالة، ولنبدأ بترميم بيتنا الذي يتفتت من الداخل من كثرة الصراعات على الكراسي، والأسامي، والأرصدة البنكية.
جيل يبدأ حياته برؤية ضبابية، لما يجب عليه أن يكون أسلوب الإصلاح، والتغيير، فلابد من مراجعة كتب التاريخ  قبل أن نبدأ تاريخ جديد، لأن التاريخ كله قصص تدور وتدور، ويعيد نفسه بصيغة وأسماء جديدة، ولكن في نفس السياق والخطط الاستعمارية التي ما بتنا نعيشها بكل أطيافها وأشكالها عبر العصور.
لنرجع وبهدوء ونتحاور ما يجمعنا ويعطينا حقوقنا على طاولة مستديرة كل متساوٍ في الواجبات والحقوق، ونخلع رداء الرياء، والنفاق ، ونرفع راية الشفافية ، حتى لو كانت مظلمة حالكة، فالبداية دائما تبدأ عند الاعتراف بالحق، وهو فضيلة، هذا ما علمنا عليه ديننا الحنيف، ونبينا الذي بعث ليتمم الأخلاق وليس الدين.
فلنُعلم ونعلم أن الله هو كاتب المصير وليس أجندات ما هي إلا وسائل تضل الأعمى وتضيء الطريق للبصير، حتى يتبين الحق من الغي، أما العناوين فهي كل يوم تتغير حسب أرصدة المال والفجورعلى قارعة الطريق، فاليوم ما هو عنوان مثير، سيصبح غدا عنوانا ومثالا لكل جبار عنيد، لا يعي أن الجميع مسؤول عن رغبته ومايكتبه كتابه، وقضاته ويأمر حتى ولو من بعيد، أنه سيحاسب عليه ، عند الذي الكل تناسوه، وأغفلوه، لأن قلوبهم أصبحت غلفا، ولم يعودوا يسمعون ولا يرون إلا جبال تكدست من أموال نهبت من عرق شعوب ما يسمون الآن بشعوب وثورات الربيع، وجيل لا يستشهد إلا بكلمات وأغانٍ لا تمت للألوهية بشيء وترك أكبر المعاني وهي معنى وجودنا على هذه الأرض وزوالنا بطرفة عين وكأننا لم نكن هنا، إلا كاسم سينمحي وينسى حتى لو كان فرعون أو نبي ، ولن يبقى في الآخر إلا معنى واحد ، هو العنوان الأخير، أن الدنيا كلها فانية، إلا من مقرر المصير وخالق هذه الدنيا ، ومن جعل لها قصة سنراها عندما يصبح نظرنا من حديد.

همسة الأسبوع
ما لنا أيتها الأمة أضعنا كل شيء في صراعنا المميت، على من يعتلي القمة، ونحن كلنا في واد سحيق. فالعمى ليس عمى العيون، إنما عمى القلوب، وهذا ما هو واقع وسائر على الجميع.
وعتاب الأسبوع...
وعتبي على مشايخنا الذين لم يحتضنوا أجيالا ضائعة ، وباتوا يشعلون الفتن في قارعة الطريق، من إصدار فتاوى تكفير وقتل وتعذيب، لكل من خالفهم في الرأي، حتى لو كان كافر عتيد، فالكلمة الطيبة أصلها في الأرض وفرعها في السماء، وهذا هو الحل الوحيد.
*كاتبة سعودية
twitter@TherealBASMAALS

1 comment:

  1. الموضوع ممتاز باركة الله فيكي ياغالية

    ReplyDelete