Thursday 18 August 2011

رياح التغيير


كاميرات تجول بين الأقفاص، تبحث بين طابور طويل من كانوا وزراء، تقترب من وجوههم، تقرأ عباراتهم ، تتسلى بردود أفعالهم، تعنون مشاعرهم، وتحكي قصصهم، وتفضح أسرارهم، هذه هي قصة تاريخنا المعاصر، قصة محاكمة "مبارك" الرئيس المخلوع وحكومته التي كانت من أشد الحكومات عتادا وثقة في حكمها، واحتلالها مركزا لم يخطر على بال احد، أن تتزعزع أو تطال مفاتيح رزقها أو تحاسب على جرائمها وبغمضة عين وانتباهتها غير الله عليها من حال إلى حال، وتحول الهمس إلى ضجيج وصخب وثورة شباب، قالوا لا للاستعباد، قالوا لا لنهب الأموال ، قالوا لا لسنين من الخنوع واستعباد المخلوقات، وكأنها حيوانات أليفة لن تجرؤ على محاربة سيدها، وسلطانها وخليفتها، لن تجرؤ على فضح الحقائق، وإعلانها للخلائق، فاستيقظت الضمائر ورجعوا إلى الحديث القدسي الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال: "قال الله عز وجل، يا ابن آدم لا تخافن من ذي سلطان ما دام سلطاني باقيا، وسلطاني لن ينفد أبدا، يا ابن آدم لا تخشى من ضيق الرزق وخزائني ملآنة" فمن يخشى قطع رزقه لمجرد قول الحقيقة فليتيقن أن الله وحده هو الرزاق وهو المعطي، فما نراه الآن في شتى البلاد التي أصبحت فيها الثورة عنوانا، رؤسائها مهجرين، أموالهم مستهدفة ، وستسحب منهم كماء السلسبيل، لأن الله لا يقبل إلا الحلال والرزق الكريم النظيف.
ولنكمل الحديث القدسي : وخزائني لا تنفد أبدا..  يا ابن آدم لا تأنس بغيري وأنا لك فإن طلبتني وجدتني وإن أنست بغيرك فتك وفاتك الخير كله)، فما نراه الآن أن حتى الأحزاب الدينية تطلب السلطة والسلطان وتدعو بالخلافة الإسلامية كحجة واهية لنيل المطالب الدنيوية التي باتت ظاهرة للعيان وظاهرة البيان ويعلو لها الحاجبان، من بجاحة وعلنية، ولم تعد تخاف البلية ولا البرية، وأصبحت ذات مسؤولية، في فرض العقوبات الإنسانية التي تمرر بسهولة وانسيابية، فأصبحت قوانين ضد الإرهاب وهي بحد ذاتها إرهابية، لا يخافها إلا ذوي العقول والضمائر الميتة، لأنها تخاف من الإنسان وليس من رب البرية.
ونكمل الحديث.. يا ابن آدم ! خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب؛ فإذا رضيت بما قسمت لك أرحت نفسك وكنت عندي محموداً، وإن لم ترض بما قسمت لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها كما يركض الوحش في البرية، ولا يكون لك منها إلا ما قسمت لك، وكنت عندي مذموماً.) أما العبادة فنحن لا نراها إلا في شهر رمضان، وحتى في هذا الشهر أصبح الناس مسافرين، مهاجرين، ليس في سفر للخارج، بل سفرهم داخلي، يبحثون عن الدنيا، والمتاع، ويحلمون بسفرة غنية بالأطايب، وينسون من يموتون جوعا  ويبحثون عن لقمة في غياهب الطرقات المظلمة التي باتت لا تكفي عائلة، وبالكاد تكفي سد رمق الأطفال والعجائز، فأين ذهبت الضمائر وأين رحلت وسافرت القيم الإسلامية، بتوزيع الثروات والرضا بما قسمه الله، بل نراهم حتى في رمضان يلهثون لهث الوحوش، للاستيلاء على ما يوجد في الجيوب، ويغلون الأسعار حتى يملأون الجيوب والبطون بما حرمه الله فتسلطت عليهم الدنيا، فقد رأينا في البلاد المجاورة نتيجة جريهم وراء المال والسلطة، وفي النهاية أصبحوا مذمومين عند الله وعند البرية، أفلا يكفينا من أمثلة مجاورة لحدودنا، ليفيق من هم يتاجرون برقاب وأرزاق العباد؟
"يا ابن آدم خلقت السموات السبع والأرضين السبع ولم أعي بخلقهن ، أيعيني رغيف العيش أسوقه لك بلا تعب؟ وأنا رب رحيم وعلى كل شيء قدير ، يا ابن آدم ! إنه لم أنس من عصاني؛ فكيف من أطاعني، وأنا رب رحيم، وعلى كل شيء قدير؟ يا ابن آدم ! لا تسألني رزق غد كما لم أطالبك بعمل غد. يا ابن آدم ! أنا لك محب؛فبحقي عليك كن لي محباً "
في هذا الشهر الكريم ترى الإنسان ينحر كما تنحر الشاه، فلا مجيب ولا رقيب، والعالم كله شهيد يشاهد الأرواح تزهق، والحقيقة الدامية بان لا أحد يجرؤ أن يقف بوجه هذه السلطات ، لأنها تماثلها بالعداء لرب العباد، فمن يحب الله، كما الله أحبه ورزقه وأعطاه لا يقف أمام ما يجري حوله من مجازر ويندد ويعاتب ، بل يقف وقفة الإنسان مع أخيه الإنسان مقابل حب الإله  الذي لم يطلب منا إلا الرحمة بيننا وإعطاء غيرنا ما نريده لأنفسنا، فأين العدل وأين المحبة، في وقفتنا وإيوائنا لمن طغوا في البلاد وأكلوا أرزاق العباد .
مجازر ترتكب لأجل البقاء في السلطة واستحكموا وأدمنوا القوة والرفاهية وأصبحوا سلاطين وخلفاء وأصبحت السلطة متداولة بينهم كإرث عائلي، وأولادهم يريدون الخلافة وكان الخلائق كلهم عبيد ، ونسوا أن الإسلام حرر الرقيق منذ ألف وأربعمائة واثنين وثلاثين سنة، بل وستزيد ونحن باقون ونطالب بالمزيد، وأدمنا الرق والاستعباد، وتركنا الحرية والأسباب، هل حان وقت الرحيل؟ فالحقيقة واضحة للعيان بأن آن الأوان للتغيير ، وأصبح الموت أفضل وأحلى من البقاء تحت سيف الرق والعبودية والرضا بالفتات، وإرضاء ذوي السلطة، مقابل دراهم معدودة لن تفيد يوم لا ينفع لا مال ولا بنون.
فما يحصل حوالينا في هذا العالم الذي أصبح يتغير من دقيقة إلى أخرى ومن جمعة تحرير إلى جمعة أنين، من المفروض أن يجعلنا نعتبر بأن الأمور لم تعد مستحيلة على من بيده القدرة والوسيلة ، فيجب على شيوخنا الاعتبار، وعلى صغارنا التعلم والتغيير وعلى وجهائنا الخوف من الرب الرقيب.
يجب علينا في هذا الشهر الكريم أن نتغير ونفتح أعيننا على ما يجري حولنا ، ونصلح بيتنا من الداخل في كل المجالات، فلا يوجد في بلادنا جهاز واحد يدار بجودة وجدارة، مع أن ملك البلاد أعطى كل ما في تمكين السلطات التنفيذية في تنمية مواردنا البشرية في كل المجالات المعيشية ، ولكننا للأسف لا نزال ضمن المنشتات الإعلامية، بل عدنا إلى الوراء سنين ضوئية، بدل أن نسرع بالتغييرات الجذرية لدرء بلادنا من التغييرات المناخية.
همسة الأسبوع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يا أيها الناس اتخذوا تقوى الله تجارة يأتكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة"
فإن الإسلام ليس اسما ولا زعما ولا انتسابا ولا نسبا ، ولكنه إخلاصا قلبا وقالبا..

   *كاتبة سعودية
b.saoud@hotmail.com

2 comments:

  1. بالتوفيق بسمة

    ReplyDelete
  2. كلمة حق من بيت الظالمين

    ReplyDelete