Friday 13 May 2011

البداية والنهاية


 البداية كانت مذهلة، عقارب الساعة ترجع  بي إلى الوراء مائة عام، أتأملها واقرأها بعناية، أتحسسها بواسطة أنامل رموشي، التي ابتلت بدموع الحزن، على أمة أعطاها الله سبحانه  وتعالى أكبر مخزون للطاقة في العالم،  وكانت هذه البداية لأول إطلالة  لعبدالعزيز بن عبدالرحمن الذي وحد الجزيرة العربية المترامية الأطراف ذات القبائل المتناحرة، فكانت معجزة القرن العشرين لما كان لها أثر على استقرار المنطقة، ومن ثم ظهور البترول في هذه البقعة القحط الخالية إلا من سماء ورمال ولكنها كانت تحتوي على أهم وأشرف منطقتين في العالم وهما الحرمين الشريفين، فظهرت الخيرات  واستتب الأمن، وازدهرت البلاد ، وتأسست المشاريع وبدأت الرحلة، فأصبحت البادية حاضرة والصحراء بساتين ذات نخل وأشجار باسقة، والحرمين ذا طابع محلي وليس عثماني، كأول توسعة في بداية العهد السعودي التي استمرت عبر جميع ملوكها من سعود وفيصل وخالد ثم فهد وأخيرا عبر عبدالله بن عبدالعزيز الإنسان العزيز، حبيب الشعب ومصدر استقرار بلادنا الحبيبة والبلاد الشقيقة، مرت بلادنا بتغيرات عديدة أهمها الطفرة التي عرفناها في وقت الملك خالد – رحمه الله- وازدهرت  البلاد وأصبح العباد في أحسن حال بل وزاد المدخول عن ما كل ما توقع الخبراء من أموال وقصور وبنين ورحلات مكوكية، وعمارات ومؤسسات مبنية على هذه الطفرة الفورية في بلادنا الغنية.
ثم جاء عهد الملك فهد بما فيه من متناقضات وتجارب وحروب فرضت علينا قلب الموازين، فأصبحنا نعيد حساباتنا ، وكان من المفروض أن نتعلم درسا بأن النعم لا تدوم، ولكننا أمضينا حقبا وجعلنا دنيانا تدور حولنا وانعزلنا عن العالم واخترنا الضبابية في التعامل مع واقع أليم، وأصبحنا نعيش في عالم متقوقع لا يمت لهذه الكرة الأرضية وعشنا في حالة عدم تصديق وتبرير لكل المشاكل التي تواجهنا فهبطنا إلى واد ليس له قرار ولا مفر، وازدادت الأمور تعقيدا مع مرور الزمن، وشحت المصادر لكسب المال الشريف، فأصبحنا في مفترق طرق، ركوب الموضة العالمية من الفساد أو الموت تحت سيف الصدق  والكرامة، فاختار الكثير ركوب سفينة النجاة العالمية، من فساد إداري واجتماعي، للاستمرار في قالب تعودوا عليه من ثراء فاحش وركوب اليخوت وبناء القصور في الخارج،  والآخرون  استغلوا كفريق داعم لهذه الفئات التي أرست قواعد جديدة في عالم كانت مبادئه الحاتمية والشيمة العربية، والتضحية والشجاعة والصدق مهما بلغ الثمن، فاستعاضوا بها بمنومات طبيعية من استيلاء وظلم للخلائق وحتى التمييز العنصري الذي كان فعل ماض فأصبح فعل حاضر ومستقبلي وتحولت مجتمعاتنا إلى أشكال غريبة لا تمت إلى أصولنا العربية، بأية جملة إعرابية، فتفرقت العوائل ونزحت إلى المدن والشواطئ، وبنيت الأسوار ، وفصلت الحجر، وأصبحنا نعاني من تشتت جماعي وانفصام أخلاقي ومبادئ لا تمت إلى مجتمعاتنا بصلة، فانغلقنا على أنفسنا وأصبحت علاقتنا مبنية على المصالح ، وأخوتنا لمن هو يوافق رأينا ، ورحمتنا على من نستفيد منه، وصحبتنا على من يخدم مصلحتنا، فلم يعد الجار يعرف جاره، لأن الحرام أصبح حتى في جلوس الأب مع ابنته، وحلالنا أصبح نادرا، إلا في الحالات الاستثنائية ، وكتابنا أصبحوا ألعوبة محلية، لا تكتب إلا في المشاكل الفنية، فأصبحت أجيالنا متبلدة المشاعر قابعة في بيوتها تنتظر الفرج من رب قادر، والبطالة تتزايد منتظرة المشاريع القادمة، من وزارة العمل التي حيرتنا، واحتارت، ولم تعد تعرف أي طريق  تسلك  لحل هذه المشكلة الرئيسية التي نتائجها ستكون عكسية إن لم تحل بطرق واقعية ومنطقية   من غير أن  نلجأ إلى الوزارات الأخرى ، وتدور عقارب  الساعة إلى نفس المشكلة،  وتزداد الأمور تعقيدا ، وتزداد مشاكل الشباب، من أمور لا يحمد عقباها ولن تحل إلا بقرارات ومشاريع حاسمة لهذه المشكلة الخطيرة التي عفا عليها الزمن، وقد جرب  كل أنواع الأدوية المحلية والمستوردة ولم تنفع ، وقد تعاقب على هذه الوزارة عدة وزراء ولم يستطيعوا أن يحلوا هذه المشكلة العقيمة والتي استشرت في أعماق وجذور هذه الأمة لتصبح مرضا عضال لم يعد له دواء، إلا الاستئصال لنبدأ من جديد، لتنتج حلولا تناسب هذه الأوقات العصيبة وتشغل سواعد أبنائنا بما يبني الوطن، حتى لا ينشغلوا بما ستكون عواقبه وخيمة، وأسبابه واضحة ونتائجه لا تسر عدو ولا صديق.
 بدايتنا كانت معجزة إلهية، وعطاء بلا حدود ، ونهضة مثالية، ولكن ماذا فعلنا بها، لماذا أصبحنا قصة مأسوية من مجتمع قد تفرق، وأصبح كتلا، لا تمت بصلة إلى أخوات إن وكان، حكمة العرب اختفت، واستبدلناها بمغنيات آخر الزمان ، وثقافتنا التاريخية أصبحت مستوردة وليست محلية، حتى مشاكلنا استوردناها وبكميات غير سوية، حتى أصبحنا نعاني من مشاكل لم تكن بالأمس إلا قصصا مروية، عن البطالة والفساد فأصبحوا عملة محلية، والفقر والعوز أصبحوا رموزا جلية، لمن يريد أن ينظر بعين مجردة ، وضمير حي، لهذه الحالة الاستثنائية في مجتمع يحول للعالم مساعدات لا تقدر عليها حتى البلاد الغنية التي تعتبر من القوات العالمية، النهاية هي جلية وواضحة إما القضاء على البطالة، وإما تصدير شباب سيضيعون ما بناه آبائهم، وآبائنا من حضارة واسم تعبوا عليه ليبنوا للأجيال القادمة قاعدة قوية ذات استمرارية، لمملكتنا الحبيبة التي نفخر بانتمائنا لها، ونريد لها التفوق والنجاة من الأبعاد المستقبلية الضبابية.
همسة الأسبوع
البدايات دائما تحمل لنا الآمال
أما النهايات فهي دائما مليئة بالمفاجآت

No comments:

Post a Comment