أكتب إليكم هذا الأسبوع عن هموم وشجون المبتعثين في الخارج، وما لهم من شوق وحنين لتراب بلدهم العظيم، وهذا ليس فقط شعور بل نتيجة هموم وشجون، من تركهم بلد الانتماء، والاتحاد.. في خارج وطنهم الحبيب لا يكاد يوجد لهم دائرة التقاء ولا حتى تنظيم لأمسيات تذكرهم وتمحو عنهم حالة الاغتراب والانشقاق عن ذويهم، ليجدوا بالفعل والقول سفاراتهم تمثل التقاء قلوبهم حتى تنمي حسهم الوطني، وانتماءهم لترابهم الأبدي، مهبط الوحي، ومبعث رسول الأمة، وقبلة المسلمين في كل مكان، فقد وجدت في لقائي مع بعضهم حالة ضياع، من قلوب أضاعت الطريق، ولم يجدوا عند بعض موظفي سفاراتنا إلا جهازا صناعيا يتنفس عبر الأسلاك، والرصيد البنكي، وهنا تنتهي مهمة الملحق الثقافي، بلا خطوط ولا مواعيد لالتقاء الجاليات التي تقطن هذه أو تلك البلاد، فأضاع بعض أبنائنا الهوية، ولا زالوا يبحثون عن جماعات من أبناء وطنهم بمقدراتهم المحدودة، من إرسال رسائل هاتفية أو عبر الشبكة العنكبوتية، ولا توجد في بعض سفاراتنا الموقرة، إلا عناوين مبهرة ولقاءات في هذا الوقت الحالي، عند ابتعاث هذه الأعداد الهائلة من المواطنين للدراسة خارج الأوطان، لابد من الاحتواء، واللقاءات التي تذكرهم بهويتهم الوطنية، التي أضاعها البعض حتى في بلادهم ضمن مقرراتهم، فلا فعاليات، ولا حوار، بل تلقين ودروس ومحاضرات، فإن الوطنية لدينا محدودة ومرسومة عبر حدودنا الجغرافية، وانتماءاتنا المذهبية، وأسمائنا القبلية، فالوطن واحد، وللجميع حق في هذا الوطن أن يبذل جهده حتى ننمي الانتماء عبر أجهزته التعليمية ولغرس غابات من المشاعر، لا يتخللها أمطار موسمية، ولا ثلوج لتجمدها وتقولبها ضمن إطارات عصرية، ونقول إنها السياسات الجديدة لمفهوم الوطنية، فالمبتعثون يعانون من الهجرة الجماعية، من بعض سفاراتنا في الخارج التي تنتهج سياسة تجاهل مشكلات أبنائنا وعدم مساندتهم في الخارج، وفوق كل هذا مبالغ تكاد لا تكفي الطالب، وإن لم تكن غنيا فلك الله أيها الطالب، حتى تتغلب على المصاعب، فآخر الشهر يصبح الصوم ورياضة المشي هي الحل الوحيد ليستطيعوا أن يكملوا المشوار العصيب، الذي لا يوجد له حل. في الاغتراب بعض أولادنا لا يجدون مساندا إلا الله ثم أهاليهم الذين بالكاد يقدرون على الصرف على حياتهم البسيطة، الذين بالأصل يغرقون بالديون لتلبية أبسط قواعد الحياة الكريمة ولحياتهم البسيطة، ويضحون بالغالي والنفيس لابتعاث أولادهم للخارج، ويتفاجأون أن الصرف عليهم حتى في الخارج أضعاف ما يصرفون في الداخل من غلاء معيشة، وضرائب، وارتفاع جنوني للأسعار في البلاد الغربية، ولا يجدون من يشتكون عنده، لأن أموالهم تصلهم عبر حساباتهم البنكية، وهنا تنتهي مهمة بعض ملحقياتنا الثقافية، التي لا تعرف أن الثقافة هي الوطنية، وجمع الشمل في ثقافة عربية إسلامية، مبدأها التواصل والتلاحم في الخارج حتى تكون القوة وراء نجاح طلابنا في مساعيهم لعيش بكرامة وانتمائية لأوطانهم ضمن إطار الوحدة والثقافة الإسلامية، من يدافع عن هؤلاء ومن يسلط الأضواء على مطالبهم واحتياج أسواق عملنا بالتخصصات اللازمة التي تتيح لوزارة العمل، بالعمل والسعودة على الأصول، من غير اعتذارات بأن لا يمكن إيجاد أعمال لطلابنا المبتعثين، فإنْ توحد القرار، بين وزارة العمل ووزارة التعليم العالي، لما بقي عندنا مواطن سعودي إلا ووجد عملا، ولم يبق لغير السعودي أن يحوِّل هذه الأموال الهائلة لوطنه، نحن بأمس الحاجة لهذه الأموال المهاجرة، فالسوق خالية من كوادرنا المؤهلة لدخول سوق العمل بكل خبرة وثقة واحترام لمواثيق العمل المتبعة في كل مكان، أين المخارج لحالتنا المتردية حتى في ابتعاثنا لأولادنا في الخارج، أين السوق التي ستستوعبهم، عندما يعودون من جهادهم، لأنني رأيتهم كمجاهدين في الخارج، منهم من يعلم إلى أين المصير، وبعضهم ضل الطريق، ومنهم فرحون من وجودهم ضمن أجواء الحرية التي ليس لها حدود، ومصاريفهم لا تكاد تفي بالأساسيات المطلوبة لدرئهم عن المفاسد، التي ستطالهم آجلا أم عاجلا، فالحال واحد، إن جوعت الإنسان فلابد أن يبحث له عن مكان، حتى يستطيع أن يحصل على مقومات العيش من خدمات، وهنا تكمن الطامة الكبرى، حين يبدؤون البحث، أين سينتهي بهم المطاف، في جحر مظلم؟ أو في طريق ضبابي المعالم؟ فيرجعون وهم ذوو نظرية مختلفة ومطالب شتى، ورؤية لا يعلم إلا الله ما مدى خطورتها على مجتمعاتهم، التي تركتهم بعض السفارت في الخارج بلا دعم ولا وطنية ولا مساندة لأحوالهم الجوية الماطرة التي أصبحت عواصف رعدية، وأمطارا جارفة لتربتهم الوطنية، التي نحن في أمس الحاجة لها في هذه الأوقات النارية ذات الخطط الخارجية لزعزعة كل ما ارتكزنا عليه في أيامنا الخالية.
همسة الأسبوع
الحنين إلى الوطن لا ينبع إلا بشد أزر الطيور المهاجرة إلى الرجوع إلى وطن الدفء والطمأنينة وإن لم نفعله في رحلتنا الموسمية فسنمحو آثارا كانت بالأمس مصدر كرامتنا التي هدرت تحت أقدام البيروقراطية
No comments:
Post a Comment