بسمة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود*
"ناكر" المعلومة وتوصيلها كما هي ، غير ناقصة ولا منقوصة ، هو ما يغير ويبدل المصير، و"نكير" الذي يؤكد حصولها ، هو من يكتب بضمير.
أصبحنا في عصر "ناكر ونكير" ، ننكر كل ما يجعلنا نخشى أصحاب النفوذ والمسؤولين، ولا نخشى رب العباد، الرحمن الرحيم، الذي هو المسؤول الأول والأخير عن مصير عباده، وليس كما أصبح الجميع يضيع ضمن دائرة التويت والفيس بوك، بلا هوية ، ويختبئ وراء أسماء نكرة حتى يكتب ما لايمليه عليه الضمير، ويكتب ما يتأجج في نفسه من نار، لو ظهرت على السطح لأحرقت الأخضر واليابس، وناكر يصبح نكرة ، وهذه هي الشجاعة وتقرير المصير.
أما "نكير" ، فهذا هو المهمة والمعادلة الصعبة، فهو من يؤكد المعلومة ولا يخاف إلا البصير، ويدخل الساحة والمعركة حاملا راية النصر على الظلم والعدوان ، مهما اختلفت الأشكال والألوان، مهما كبر المقام وكثرت أعداد جيوش الظلام، مهما كان الثمن، فالكنز في الأخير ليس هنا على الأرض فقط لنصرة العباد ومساعدتهم على الحث على رؤية الطريق، وإيجاد الباب للمفتاح الصغير، بل الكنز هو عند رب معبود، بيته معمور، ورسوله مبعوث ليتمم مكارم الأخلاق، ورحمة للعالمين، في مدينة طيبة الطيبة التي نورها يسطع كنجم في سماء حالكة، لإنارة الطريق لشعوب أنهكها الفقر والجوع والواسطة، وأصبحت تائهة ضمن ثقافة "ناكر ونكير"، وقبيلة ومراكز تصدير لأسماء لو جردت من مناصبها لا تسوى مثقال ذرة من هشيم.
أجيال تنمو في تربة أنهكتها مواد سامة، زرعت في ضمائر أصحاب الطبول، وما شيمة أهل البيت إلا الرقص على قرعها ، مع فقدان الاتجاه للوصول إلى أهداف واضحة للعيان، ولكن من كثرة الضجيج وقرع الطبول، وكثرة قارعيها، أصبحوا صم لا يريدون حتى الرقص على إيقاع منسجم ليبلغوا قمة الجبل الشاهق، الذي ينتظر كل صاحب ضمير.
أجيال تنمو وتحتضر على كلمة " حافز"، معلمين ومعلمات المستقبل والأجيال، يطرقون الأبواب، وهم على قارعة الطريق، يستجدون لقمة نظيفة تقيهم وأهاليهم شرف لابد من وجوده، لتعلم أجيال ضاعت بين أجهزة التصوير، التي لعبت بعقولنا لتصبح أداة جهل وتكفير، وليست أدوات ثقافة وتعليم، لأن معلمينا انشغلوا بالمطالبة بحقوقهم التي سلبت منهم أمام أعين الوزير، ولا يوجد من ينكر ، ولا يوجد من نكير لحالتهم التي أصبحت على مدى السنوات، حالة مرض عقيمة، لتهميش وتهشيم عقول الأمة، على أحجار الياقوت وعبير الياسمين، فأصبحت ثقافتنا كلها حب ومحبوب، وجنس، وعنف، وحكايات تقشعر لها الأبدان خلف أسوار النسيان.
أين الضمير أيها المسؤولون، فنحن الكتاب لا نملك إلا القلم، وما يسطرون، ولكن إن دامت هذه الحالة فلابد من استبدال القلم بالسكين، لنبتر كل من يسكت وينكر ما يحدث لأبناء وبنات وطننا العزيز.
آراء تصادر وحريات تقوض، فقط لأنها أقرت بـ"ناكر ونكير"، ونسي من أقصاها ، ووضعها في صناديق، أن هذه الصناديق من ورق وفلين، رقيقة، هشة، لا تحتمل وزن الحديد، فمن دخل السجن وهو أبي عنيد، ذو حق ، لابد أن يكون من حديد، فالحديد ينصهر، ويتحول إلى أشكال ، ويلون بشتى الألوان، ولكنه يظل دائما معدنه "حديد".
لماذا التضارب والإنكار بأنه يوجد لدينا أنهار، ومحيطات، من الفساد العقيم، وداء أصاب الأمة اسمه "ناكر ونكير"، ولابد من الاختلاف، فهذا هو خلقنا ، أم حتى الخالق نريد أن نغير خلقه وكلماته، إلى حكاية عبيد، لا أحرار كما خلقنا، لوائنا "لا إله إلا الله"، وشهادتنا "محمد رسول الله"، وإحلال العدل، في كل ما أئتمننا الله عليه من موارد ومسؤوليات لو وزعت على القارات كلها لأطعمت الصغير وسترت الكبير، وزاد عليها ما ينفق على راحة الجميع.
حالة مذهلة، تريد وقفة تأمل من كل ذي سلطة وسلطان، ليبصروا ويروا أن العالم والأمانة أصبحوا أكبر من قدراتهم، لذا وجبت المشاركة الجماعية، في تقرير المصير، واستحداث أجهزة نقية جديدة لتنكر الباطل ونفتح الباب للمصداقية والشفافية للجميع، من غير خوف من القادم ، فالمهم أن " نكير" يكتب ويسجل حاجات أمم أصبحت من المسلمات، أن تعطي قبل ما تؤخذ ، وتصبح فعل ماضٍ، لن يذكر في التاريخ، إلا في جمل كلماتها داكنة، وصفاتها لا ترضي مؤسسها ومساعديه، لا من قريب ولا من بعيد.
أكتب كلماتي وحروفي وأنا أندد وأنكر كل من يريد محاولة زعزعة أمتنا وأمن وطننا ، ومصير وطن، لأجل دراهم قليلة وأرض بائرة، وحفنة من تراب ، لن تنفع لا في هذه الأوقات التي باتت ترقص على قرع طبول الحروب في كل مكان ولا في ما بعد زوال الدنيا، لأنها فانية.
فليستيقط الجميع وينصتوا لناكر ونكير قبل ما تصم الآذان حتى عند سماع الأذان، وتصبح القلوب غلف، والأبصار تتجه إلى عالم آخر يسوده العدل، ويقطنه أصحاب الضمير، وغذائه عسل ، وشربة ماء من سلسبيل.
همسة الأسبوع
ندائي للجميع، من طالب، إلى دكتور، ومستشار، ومن ما زال لديه ضمير، أن ينصتوا إلى "ناكر ونكير" قبل زوال حاسة السمع من الجميع.
عتبي..
عتبي هذا الأسبوع على كل من يتصرف خارج التغطية، وينثر الزيت على النار لإشعال الحريق.
لابد للجميع أن ينصتوا إلى نداء الضمير، لأنه أصبح عالمي وليس فقط محلي، فسيصم، نداء عالمي ، وليس فقط محلي، فسيصم الآذان، ويعمي بصائر العباد بنوره القوي، وعندها ستصبح مثل الريشة في مهب الريح.
*كاتبة سعودية
No comments:
Post a Comment