بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز آل سعود*
ما يجري على الساحة لا يوجد له تفسير إلا القبضة الحديدية، من جميع الجوانب الإقليمية والعالمية والمحلية، فالكل في ساحته ويدافع عنها بضراوة وشراسة، وهذا ليس بجديد بل منذ أزمنة بعيدة، ولكنها أصبحت معلومة ومقروءة من الجميع، الجميع استفاق من سبات عميق وأصبح عاجزاً عن الحركة إلا بواسطة سلاسل في الأعناق ، ولجم في اللسان، وتعطيل للأفكار وحبس الرأي السديد في وادٍ عميق.
أريد أن اشرح وأشرح، ولكني وجدت أن الشرح أصبح عقيما، فالوضع أصبح لا يحتمل التأويل، وخطير، ولا توجد قوى على هذه الأرض التي أصبحت قرية صغيرة،بوسعها أن تعترض او توقف القطار السريع، الذي يمشي بسرعة الصوت، بل الضوء، من غير محطات توقف، ولا من محطة لنهاية الطريق.
فأبواب الجحيم انفتحت على الجميع، وجميعها لن يقدر أن يغلقها إلا رب الكون، الذي سطر قبل تكوين الخلق، وخلق الأراضين والسموات السبع وقبل القلم، وما يسطرون، فقد سطرها، منذ قبل التكوين، والجميع يحسبون الأمر بأيديهم وتخطيطهم، ولا يعرفون أنهم مسيرون، ومخيرون، ولكنهم اختاروا الصعب والدمار كطريق.
ما أن تسمع بانفجار في منطقة ، إلا ويتردد اصداؤه في كل وادٍ عميق، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، والجميع في شقاق سحيق، ما أن يلوح في الأفق انفراج، إلا ويغلق بقدرة ما، وترجع الأمور إلى أخطر مما كانت ، إسلاميون، ليبراليون، مسيحيون، ويهود، كل ينادي من جبل عالٍ، يتحدى الآخر، والشعوب تتألم وتعاني الظلم والعبودية والرق.
رجال ونساء يحاربون ، وهم ما بقي من الجنس البشري الذي اندثرت إنسانيته، ونحرت على شواطئ ومحيطات المال والسلطة، وتحدي فرعون لربه وخالقه، ولم يعِ ولم يستسلم إلا عند غرقه في بحر الظلمات، عندما شهد وأصبح عبد ضعيفاً، وهذا ما نراه، وسنراه، فراعنة لن يستفيقوا إلا بعد غرقهم في بحر الظلمات، وعندها ، يكون فات الأوان على التوحيد.
فالظالم في ظلمات لا يرى، ولا يسمع إلا صوته، وجهالته، إن الله ليس بظالم للعبيد، بل منتقم من كل جبار.
أعتقد إنه قادر على الله، وأنه أصبح إلها في الأرض، ويملك مفاتيح الغيب، وما بعد الموت، لذا لم يعد يهمهم ذبح وإراقة دماء الأبرياء، بأسماء مختلفة ولكن الهدف هو السلطة والقوة واستباحة دماء شعوبهم، من غير أن تطرف أعينهم ولو بضوء من بعيد.
قبضة من حديد، هذا ما نراه من كل جهات الأرض، ومن أقطاب ينادي كل منها بالحروب الشاملة والكاملة والمدمرة، بواسطة تقنية الله أعلم إلى أي حد وصلت في التقدم، من حيث الإبادة الجماعية ، بعضها يقول إنها لأغراض سلمية، والآخر يفتخر أنه يمتلكها إن تجرأ أحد العبيد على الثورة الفعلية على العدو الكبير والخطير.
كل من القوى العالمية تضع القرارات، وما علينا إلا الطاعة والخنوع، حتى في البلاد التي أطلقت رسائل الربيع، ولا ترى أن الشتاء القارس والزمهرير هو الذي أقام في بلادنا وبلاد الثورات التي أخذت أجندات دينية من غير تفكر بأن الله بصير، ويعرف من يتكلم ويحكم باحكامه، فالكل متطرف متمسك بأنه هو الذي أنار الطريق ،في هذه الفوضى من المستحيل رؤية الطريق.
التهام لحوم البشر، وكنت أظنها من اختراع هوليود، مدينة الإعلام والسينما، ولكني أدركت أنها واقع مرير، فالكل يأكل بقلب خالٍ من الرأفة والرحمة لحم أخيه، وابن عمه، وقبيلته، وصاحبته ، وبنيه.
ضاعت هويتنا، وتحاصرنا وصول ساعة الصفر، فأصبحنا نأكل لحم بعضنا البعض من أجل حفنة من مال حرام، سنحاسب عليه، عند اقتراب الأجل، ووقوع الطامة الكبرى، وهي حرب عشوائية لا تفرق بين الكبير والصغير، والأبيض والأسود، والأديان جميعها، ونحن غارقون في حلم أننا خير أمة أخرجت للناس، ونسينا كلمة " كنا"، وهذه هي الكلمة التي غفلناها، وسرنا في طريق حسبنا فيه أنّا بعيدون عن العواصف، والزلازل التي ستبتلع الجميع، وتبسط الأرض ونحاسب حساباً دقيقاً.
ستقبض علينا قبضة ليست حديدية، حينها بل إلهية، وحينها لا تنفعنا الكلمة الطيبة، والنية الصافية التي سنواجه بها ربنا، وليست شهادة كل من يعتقد أنها ستنجيه من عذاب الحريق.
فحسابنا سيكون أشد وأعنف من غيرنا، لأننا نعلم، وهل يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم؟ وهذا سؤال تجاهله الجميع.
العقبات تنتشر فينا كالسعير ، ونحن لا نملك حتى الكلمة الطيبة، أو المعلومة التي نستلهم منها الطريق، فالفضاء التقني أصبح عليه صراع، وغسل عقول لمن ليس لديهم عقول بالأصل، فالجهل تفشى بيننا ، حتى عند مساعدة الفقير.
فالمساعدة أصبحت تهمة، وإساءة، وتعدي على الحدود، حتى وإن كانت نيتك من ذهب وسلسبيل، فلابد أن نخرج، ونتساءل ، ونظن بالآخر أنه ينفذ أجندة غير الموجودة على صفحات بيضاء ناصعة، ليس لديها إلا ما بقي لهم من الإنسانية التي يحاولن أن يمسكوا عليها بقيضة من حديد.
همسة الأسبوع
الله سبحانه وتعالى سمى إحدى آيات القرآن بـ "الحديد"، وأعطاها لداود عليه السلام ، وألانه للإنسان، ولكن الإنسان أبى إلا ان يعيدها إلى حديد، ولم تنفع كل هذه القرون على إلانة القلوب، بل بالعكس استعمل الأية والحديد لوضعها كأغلال على أعناقه وأعناق من وكلهم الله عليهم ليغلقوا عليهم كل الطرق التي تنير الطريق إلى الحرية، والعدالة، والمساواة بين الجميع.
عتاب الأسبوع
عتبي على كل من يستعمل الحديد ليطوق به أعناق خلقها الله حرة، مهمتها إحلال السلام والإسلام لشعوب عريقة، ولكن عتبي على الذين استعملوها كأداة للزج في السجون ، وسحق الرقاب، والقتل ، والدماء، والاستيلاء على ما تبقى من معادن وأحجار ، منها الثمين ، ومنها ما هو لا يساوي ضمة القبر للعبد عند نزوله في حفرة من طين.
*كاتبة سعودية
twitter@TherealBASMAALS
No comments:
Post a Comment