الأميرة بسمة بنت سعود: تغيير محتوى ندوة حقوقية كاد “يورطني”
أصدر المكتب الإعلامي لصاحبة السمو الملكي الأميرة بسمة بنت سعود بياناً توضيحياً حول مشاركة سموها في ندوة دولية أقيمت في مجلس الشيوخ الفرنسي بعد توجيه الدعوة لسموها للمشاركة في الندوة التي نظمتها الأكاديمية الجيوسياسية بباريس حول حقوق الإنسان حيث طلب منها القائمون على الندوة المشاركة بورقة عمل، فاختارت سموها الحديث عن حقوق الإنسان في النصوص والتشريعات والاتفاقيات الدولية وما يتم تنفيذه فعلياً وما يتم انتهاكه من هذه الحقوق عربياً وعالمياً، ولكنّ سمو الأميرة تفاجئت قبيل الندوة بأن المطويات التي تُعرِّف بالندوة وتحمل إعلاناً بمشاركة سموها ،هي لندوة عن “حقوق المواطن السعودي تحت حكم الوهابية”ويضيف البيان: للأسف فإن ما تم سياقه من محاور دفع سمو الأميرة بسمة ألا تتراجع عن المشاركة كنوع من الرفض لهذا التدخل السافر في شؤون المملكة، وحتى لا تكون مثل هذه المشاركة نقطة ضعف في مسيرتها الحقوقية والإنسانية، وبالفعل كانت الصوت الوحيد الذي غرد خارج سرب المتحدثين، حيث ساقت سموها العديد من الحقوق التي يتمتع بها المواطن السعودي على أرضه وفي ظل حكومته وولاة الأمر – حفظهم الله- وأن المطالبات التي ينادي بها كثير من الغيورين على المملكة هي مطالبات لمزيد من تفعيل الأجهزة التنفيذية والمساواة القضائية تحت نص تشريعي مكتوب مستقى من القرآن والسنة وتعمل به كافة الجهات القضائية، بما يرفع التمييز الحاصل في بعض القضايا التي تخص المرأة، وتحجيم الفساد والقضاء عليه ووضع كل مواطن تحت المساءلة متى أخطأ.
وقد جاء هذا البيان توضيحياً حتى لا تتخذ بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عنوان الندوة والإعلان عن مشاركة سموها فيها لليِّ الحقائق والتنويه بالعنوان دون الإشارة للمضمون والمشاركة الوطنية من قبل سموها.
كلمة الأميرة في ندوة الاكاديمية الجيوسياسية حول حقوق الإنسان في السعودية والتي عقدت في مقر مجلس الشيوخ الفرنسي بتاريخ 18-09-2012
ضمان الحقوق الأساسية للحياة: مشروع ميثاق عربي للحقوق
السيدات والسادة، الضيوف الكرام.
قد يبدو من غير المناسب وايضا من الصعب تجاهله أن استهل حديثي معكم اليوم دون الاشارة والتطرق لما وقع ويحدث في أجزاء واسعة من العالم الاسلامي خلال الأسبوع الماضي او نحو ذلك .من المثير للاستغراب والدهشة حقاً والمخيف في الوقت ذاته أنّ ما يجري مرده تصرف فرد لا يعي أو يدرك مفاهيم حرية التعبير ومقاصدها وجوهرها وما يترتب عليها من مسؤوليات . فلا يمكن ولا بأي شكل من الاشكال وتحت إية مبررات الدفاع عن ذلك الفيلم القصير المسيء للأسلام الذي أغضب المسلمين وأثار موجة احتجاجات عارمة، فهو لا يستحق منا سوى الادانة والاستنكار ، فحرية التعبير لا تستقيم دون مسؤولية ، وهذا الفيلم شكل أهانة وهدف الى الاستفزاز وإثارة الغضب والفوضى.
إن ما اقترفه معدوا الفيلم والقائمون عليه يعد جريمة من حيث إفتقارهم الكامل للشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، وآمل ان يجري جلبهم إلى العدالة. وهذا العمل غير المبرر الذي لا يمكن الدفاع عنه لا يتأتي بأعمال غير مسؤولة ، فخسارة أرواح بريئة وأعمال العنف والحرق والتدمير التي اعقبت اطلاق ونشر الفيلم لا يمكن تبريرها أيضا ، من قبل جماعات ربما أستغلت وخطفت .بعض ما جرى من إحتجاجات لتحقيق مكاسب سياسية آنية وضيقة . وفيما أسطر هذه الكلمات ، يرتقع عدد القتلى وحصيلة الضحايا في بعض دول العالم الاسلامي ، وهنا نتوقت قليلا ومليا ونفكر ،أليست تلك الدماء التي تراق هي دماء مسلمين من الواضح أنه ليس من قبيل الصدفة أن تقع هذه الاحداث في الحادي عشر من سبتمبر ، وهو ما يجب أن ينبهنا إلى الفوضى والاضطراب التي يحاول البعض نشرها .
إن ما تم إحرازه من تقدم على مدى الاحد عشر عاما الماضية في مجالات الحوار بين الثقافات والحضارات والاديان يجب أن لا ينحى جانبا وأن تذهب تلك الجهود أدراج الرياح ، وهذه نقطة هامة والجميع هنا مطالب بضبط التفس وإبراز قيادة حكيمة في أحلك الظروف . ويجب علينا كمسلمين أن نعبر عن انفسنا بطبيعة الحال ونحن نطلب أحقاق العدل ، ولكن علينا أن نفعل ذلك بشعور من المسؤولية، حتى وإن افقتقر معد هذا الفيلم الشائن والمسيء الى هذا العنصر الجوهري والاساسي في شخصية الانسان .
هذا هو الاحترام الأساسي للآخرين وهو ضمان تحقيق ذلك التوازن الاجتماعي في العالم، ولكن بالنسبة للآخرين وأشعر هنا بلاسف يبدو انه إختياري وإنتقائي . دعوني هنا أقتبس مما قاله الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، عند حديثة عن هذا الفيلم وما أثاره من ردود فعل :حيث قال وهنا اقتبس ( شرع الله يحرم أن يأخذوا البريء بجريرة المجرم الآثم ويعتدوا على معصوم الدم والمال او يتعرضوا للمنشآت العامة بالحرق والهدم). انتهي الاقتباس.
قبل شهر وجه الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية بإقرار قانون يحظر على رجال الدين في المساجد التعرض الى الاديان الأخرى . هنا اسمحوا لي ، ربما تفتقر السعودية لأشياء كثيرة من وجهة نظر البعض ، ولكن خطوة كهذه من قبل الملك ، تعد خطوة شجاعة جديرة بالاهتمام والذكر . أنا أدرك أننا نحن جميعا هنا اليوم للبحث ومناقشة موضوع حقوق الإنسان في السعودية، ولكن لماذا السعودية دون غيرها،هذا الطرح والاستثنائية تبدو ضيقه ، فيما كان بالامكان الأستفادة بشكل أكبر من الخبرات والطاقات الفكرية هنا .
يبدو أن الهدف من هذه الاستثنائية هو لابراز الخلافات .. لجعلها تطفو على السطح ، والاجدى أن نعي ونعظم تلك القواسم المشتركة والارضية التي نتشاطر الوقوف عليها وكيف بالامكان تحقيق الاستفادة القصوى .
في كثير من الأحيان، يجري التعامل مع حقوق الإنسان كموضوع للمنافسة . هنا الدول .. بعضها يشاد بسجله في هذا المجال فيما بالمقابل تتجه الاصابع بالاتهام الى أسوء المخالفين والمنتهكين وفي اطار هذه المنافسة يجري التصنيف بواسطة أدوات نسبية بسيطة ، كالقول أن هذه الدولة أفضل سجلا من تلك الدولة وهكذا لتوضع بعد ذلك هذه الدولة التي لم تحقق وفقا لمفهوم المنافسة والنسبية تقدما في السجل الانساني ، توضع والى الابد تحت المجهر.
الطريق والتوجه الى الامام لن يتحقق عبر المنافسة وعبر التصنيف المجرد وتمييزها بإضفاء صفة اللون الابيض او الاسود على القضايا والمفاهيم . يجب علينا أن نقبل وندرك جيدا أنه ما يصلح لدولة ما ، قد لا يصلح لأخرى – ولكن في الوقت ذاته ، هناك متطلبات اساسية لا غني للبشرية عنها. هذه المتطلبات التي يجب أن يضمنها ويصونها القانون للحد من التجاوزات وإنتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، سواء كان في المملكة العربية السعودية، أو الولايات المتحدة: لا من خلال تنافسية، ولكن عبر التعاون الجماعي والعمل المشترك. بحكم مولدي ، انا أنتمي الى الاسرة المالكة السعودية، ولكن من منطلقات الخبرة ، فأنا ادفع واطالب بالاصلاح ، اؤكد وأقول الإصلاح وليس الثورة، لأن اللهيب الذي يجتاح الشرق الاوسط اليوم يظهر لنا أن الثورات لم تطلق او تحفز حتى الآن ذلك التغيير الدائم الذي كنا نأمل ونتطلع اليه . فعلى مدى الأشهر الاثنين والعشرين الماضية تحولت المنطقة الى لهيب ، والسبب في ذلك هو حرمان تلك الشعوب بالقوة من حقوقهم الانسانية الاساسية.
هناك أساسيات وركائز ومتطلبات جوهرية للحياة التي توفر لنا الكرامة للعيش في سلام ووئام . ومنها الحاجة إلى حرية التعبير، والتعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي. وأقول الضمان والامان الاجتماعي وأقصد به حق الجميع وتكافؤ الفرص على قدم المساواة ، ترعاه دولة القانون وتوفره لابنائه. .
وهذا ما اراه حدا ادنى ، غير اني اتوقف عن اقتراح ما سيكون عليه ذلك الحد الاقصى ، فلست في موقع لتبيان أو توضيح أو وضع مقترحات لكيفية أن تقوم الدول بصياغة او إدارة عقدها الاجتماعي ولكني أشدد على أن تلك الحقوق يجب أن تكون مصانة وأن تحمي ممارستها وتضمن من قبل هيئة قضائية مستقلة.
شاهدت مثل العديد منكم على شاشات التلفزة ، ما كنت اعتقد أنه ثورة الشباب؛ ثورة قام بها وصنعها الشباب . وعادة ما نقول أن الشباب هم المستقبل. لكنهم هم الحاضر ، يكفي نظرة فاحصة الى التركيبة السكانية لندرك ذلك جليا ونتوصل الى تلك النتيجة …
وفيما اتنقل عبر الشاشات في متابعة حثيثة للاخبار ، لا أجد اثرا لهؤلاء الشباب الذين بشجاعتهم أوصلوا الأمور إلى ذروتها بحثا عن الحرية والحقوق . ومنذ ذلك الحين، دبت خلافات ، وخطف آخرون ثمار ما سعي اليه الشباب وتعذر الوفاق والاتفاق السياسي . إن التمكين من الحقوق الأساسية للحياة التي ذكرتها سالفا تخطوا ببطء شديد ، فيما يتابع اولئك الشباب خلافات السياسيين وتناحرهم فيما يجب أن يتخذ من قرارات في السياسة والمصائر. لكنني لا أريد أن أبدو محبطة أو أقلل من شأن ما يجري . لقد تغير شيء جوهري، وليس هناك ما قد يمكن أن يغير من طبيعة ذلك الزخم ، وهو نتاج تراكمات عقود من الاستبداد الذي لم يكن ليوفر أي فرصة واقعية أو حتى يسمح لانتقال يجري على نحو سلس.
والآن كيف لنا إذن أن نحقق الاستقرار في المنطقة؟ كيف يمكن أن نضمن توافر الأسس اللازمة للدفع بمنطقة الشرق الاوسط الى الامام ؟ يجب علينا نحن وكأمة عربية أن نعزز من تلك الأرضية المشتركة التي تجمعنا.
وربما حان الوقت لتبني ميثاق عربي للحقوق يضمن ذلك، وفي ظل هذا التوقيت بالذات تبدو الحاجة ملحة فيما تسعى دول الى تطوير نماذج دستورية، فيما دول اخرى تبحث جديا في افكار وأطر الاصلاح .
أتطلع ويحدوني أمل كبير في ميثاق عربي للحقوق يلي فيما بات يعرف بريبع عربي ، يكرس ويصون حقوقا غير قابلة للتصرف او المساومة ، يلتقط الأمل والعزيمة من الانتفاضات، وينظر الى تلك القيم المشتركة في جميع أنحاء المنطقة وكل ما يمكن التوافق والبناء عليه.
في منطقتنا ، لدينا أمور نشترك فيها ونتشابه ، كما نحظى بثراء في التنوع ، هذا ما يجب ان نسعى الى ضمانه ، وهذا ما كنا نفتقده في الماضي .ولكن الآن، ثورة المعلومات ويسر الاتصالات وما اتاحته ، ترسخ السعي والاحساس بضرورة تلك الحقوق غير القابلة للتصرف ، تغيرت وتطورت المواقف والتوق للمطالبة بالمساواة والحرية وتكريسها واقعا مصانا. وفيما تحاول المنطقة المنطقة الانطلاق إلى الامام بعد الاضطرابات ، تبرز الحاجة الى اصلاح جذري ، والتوازنات الاجتماعية الجديدة تحتاج إلى نهج وطريق جديد، .فكيف لذلك أن يتحقق ، وما هو المحتوى الذي يجب أن يتضمنه ميثاق الحقوق هذا ؟؟ مما لا شك فيه، إن هذا يتطلب عملا من أعمال القيادة العليا ورؤية تتشاطر وتتشارك بها الدول المختلفة، وفي جوهر الميثاق تبقى اساسيات تشكل الركيزة كحرية التعبير والأمن والحق في التعليم والصحة والضمان أو الامان الاجتماعي .
في مواثيق أخرى ، تقبع اسس وركائز ذات صلة شكلت سوابق حقوقية يستفاد من نصوصها واحكامها ، كالميثاق العربي لحقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، أو إعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام. وبالمناسبة، أود أن أشير إلى أن ذلك لا يعني أن ننظر خارج نطاق منطقتنا بحثا عن مضامين حقوقية ، ولكننا ينبغي أن نتفحص قيمنا وطرق عيشنا وتلك القيم المشتركة التي ناضل الكثيرون من اجلها.انا اشير هنا الى ضرورة البناء والبدء من القاعدة إلى القمة، مستفيدين ايضا مما هو متاح ومستعينين بالقادة من رجال الدين في اطار مسعى محلي ونقاش داخلي.
هناك بعض الشكوك في منطقة الشرق الأوسط من خطاب حقوق الإنسان الآتي من الغرب – الذي يبدو انتقائيا إلى حد ما- ، وعليه لا يمكننا الشروع في ميثاقنا الحقوقي باستيراد لغة الآخر والنماذج الأجنبية.
هذه المواثيق والاتفاقات الدولية الواسعة من حيث النطاق والطموح، وأشعر بالاسف عندما ارى دولا صادقت عليها لكنها اخفقت في الالتزام بها ، وهذا لا يحدث في منطقة الشرق الاوسط فحسب بل ايضا في أجزاء أخرى كثيرة من العالم. ومع ذلك، أود أن أوضح بانني لا أتحدث عن فرض محتوى تلك النصوص الدولية ، فكما ذكرت هناك أساسيات – ولكن لكل دولة ان تراعي وتضمن في النصوص بما يتلائم مع ظروف وخصوصية مجتمعاتها وموروثهم الثقافي.
ولعله جدير بالذكر أن نذكر وثيقة الأزهر التي أطلقها الدكتور أحمد الطيب، في صيف العام الماضي بشأن مستقبل مصر ، وكانت نتاج سلسلة لقاءات لمفكريين ومثقفيين على إختلاف إنتماءاتهم الفكرية مع رجال الازهر فمشروع كهذا ، فيه خصائص تصلح أن يحتذى بها في اطار تبني مشروع قومي عربي.
المفاهيم التي تحدثت عنها اليوم ، ليست قاصرة على منطقة الشرق الأوسط، بل هي أساسيات تشترك بها البشرية جمعاء. إن التوصل إلى توافق هو شيء رائع وجميل ، فهو يوفر أرضية مشتركة ،ومنصة تمكن من إحراز التقدم والانجاح على نطاق اوسع ، سواء أكان ذلك في مجال حقوق الإنسان أو في غيره من المجالات ، ومع الميثاق العربي للحقوق، وهذا هو هدفي وما اسعى اليه : تغيير دائم لا تعترض سبيله خلافات او تأخير.
شكرا لكم .
قد يبدو من غير المناسب وايضا من الصعب تجاهله أن استهل حديثي معكم اليوم دون الاشارة والتطرق لما وقع ويحدث في أجزاء واسعة من العالم الاسلامي خلال الأسبوع الماضي او نحو ذلك .من المثير للاستغراب والدهشة حقاً والمخيف في الوقت ذاته أنّ ما يجري مرده تصرف فرد لا يعي أو يدرك مفاهيم حرية التعبير ومقاصدها وجوهرها وما يترتب عليها من مسؤوليات . فلا يمكن ولا بأي شكل من الاشكال وتحت إية مبررات الدفاع عن ذلك الفيلم القصير المسيء للأسلام الذي أغضب المسلمين وأثار موجة احتجاجات عارمة، فهو لا يستحق منا سوى الادانة والاستنكار ، فحرية التعبير لا تستقيم دون مسؤولية ، وهذا الفيلم شكل أهانة وهدف الى الاستفزاز وإثارة الغضب والفوضى.
إن ما اقترفه معدوا الفيلم والقائمون عليه يعد جريمة من حيث إفتقارهم الكامل للشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، وآمل ان يجري جلبهم إلى العدالة. وهذا العمل غير المبرر الذي لا يمكن الدفاع عنه لا يتأتي بأعمال غير مسؤولة ، فخسارة أرواح بريئة وأعمال العنف والحرق والتدمير التي اعقبت اطلاق ونشر الفيلم لا يمكن تبريرها أيضا ، من قبل جماعات ربما أستغلت وخطفت .بعض ما جرى من إحتجاجات لتحقيق مكاسب سياسية آنية وضيقة . وفيما أسطر هذه الكلمات ، يرتقع عدد القتلى وحصيلة الضحايا في بعض دول العالم الاسلامي ، وهنا نتوقت قليلا ومليا ونفكر ،أليست تلك الدماء التي تراق هي دماء مسلمين من الواضح أنه ليس من قبيل الصدفة أن تقع هذه الاحداث في الحادي عشر من سبتمبر ، وهو ما يجب أن ينبهنا إلى الفوضى والاضطراب التي يحاول البعض نشرها .
إن ما تم إحرازه من تقدم على مدى الاحد عشر عاما الماضية في مجالات الحوار بين الثقافات والحضارات والاديان يجب أن لا ينحى جانبا وأن تذهب تلك الجهود أدراج الرياح ، وهذه نقطة هامة والجميع هنا مطالب بضبط التفس وإبراز قيادة حكيمة في أحلك الظروف . ويجب علينا كمسلمين أن نعبر عن انفسنا بطبيعة الحال ونحن نطلب أحقاق العدل ، ولكن علينا أن نفعل ذلك بشعور من المسؤولية، حتى وإن افقتقر معد هذا الفيلم الشائن والمسيء الى هذا العنصر الجوهري والاساسي في شخصية الانسان .
هذا هو الاحترام الأساسي للآخرين وهو ضمان تحقيق ذلك التوازن الاجتماعي في العالم، ولكن بالنسبة للآخرين وأشعر هنا بلاسف يبدو انه إختياري وإنتقائي . دعوني هنا أقتبس مما قاله الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، عند حديثة عن هذا الفيلم وما أثاره من ردود فعل :حيث قال وهنا اقتبس ( شرع الله يحرم أن يأخذوا البريء بجريرة المجرم الآثم ويعتدوا على معصوم الدم والمال او يتعرضوا للمنشآت العامة بالحرق والهدم). انتهي الاقتباس.
قبل شهر وجه الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية بإقرار قانون يحظر على رجال الدين في المساجد التعرض الى الاديان الأخرى . هنا اسمحوا لي ، ربما تفتقر السعودية لأشياء كثيرة من وجهة نظر البعض ، ولكن خطوة كهذه من قبل الملك ، تعد خطوة شجاعة جديرة بالاهتمام والذكر . أنا أدرك أننا نحن جميعا هنا اليوم للبحث ومناقشة موضوع حقوق الإنسان في السعودية، ولكن لماذا السعودية دون غيرها،هذا الطرح والاستثنائية تبدو ضيقه ، فيما كان بالامكان الأستفادة بشكل أكبر من الخبرات والطاقات الفكرية هنا .
يبدو أن الهدف من هذه الاستثنائية هو لابراز الخلافات .. لجعلها تطفو على السطح ، والاجدى أن نعي ونعظم تلك القواسم المشتركة والارضية التي نتشاطر الوقوف عليها وكيف بالامكان تحقيق الاستفادة القصوى .
في كثير من الأحيان، يجري التعامل مع حقوق الإنسان كموضوع للمنافسة . هنا الدول .. بعضها يشاد بسجله في هذا المجال فيما بالمقابل تتجه الاصابع بالاتهام الى أسوء المخالفين والمنتهكين وفي اطار هذه المنافسة يجري التصنيف بواسطة أدوات نسبية بسيطة ، كالقول أن هذه الدولة أفضل سجلا من تلك الدولة وهكذا لتوضع بعد ذلك هذه الدولة التي لم تحقق وفقا لمفهوم المنافسة والنسبية تقدما في السجل الانساني ، توضع والى الابد تحت المجهر.
الطريق والتوجه الى الامام لن يتحقق عبر المنافسة وعبر التصنيف المجرد وتمييزها بإضفاء صفة اللون الابيض او الاسود على القضايا والمفاهيم . يجب علينا أن نقبل وندرك جيدا أنه ما يصلح لدولة ما ، قد لا يصلح لأخرى – ولكن في الوقت ذاته ، هناك متطلبات اساسية لا غني للبشرية عنها. هذه المتطلبات التي يجب أن يضمنها ويصونها القانون للحد من التجاوزات وإنتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، سواء كان في المملكة العربية السعودية، أو الولايات المتحدة: لا من خلال تنافسية، ولكن عبر التعاون الجماعي والعمل المشترك. بحكم مولدي ، انا أنتمي الى الاسرة المالكة السعودية، ولكن من منطلقات الخبرة ، فأنا ادفع واطالب بالاصلاح ، اؤكد وأقول الإصلاح وليس الثورة، لأن اللهيب الذي يجتاح الشرق الاوسط اليوم يظهر لنا أن الثورات لم تطلق او تحفز حتى الآن ذلك التغيير الدائم الذي كنا نأمل ونتطلع اليه . فعلى مدى الأشهر الاثنين والعشرين الماضية تحولت المنطقة الى لهيب ، والسبب في ذلك هو حرمان تلك الشعوب بالقوة من حقوقهم الانسانية الاساسية.
هناك أساسيات وركائز ومتطلبات جوهرية للحياة التي توفر لنا الكرامة للعيش في سلام ووئام . ومنها الحاجة إلى حرية التعبير، والتعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي. وأقول الضمان والامان الاجتماعي وأقصد به حق الجميع وتكافؤ الفرص على قدم المساواة ، ترعاه دولة القانون وتوفره لابنائه. .
وهذا ما اراه حدا ادنى ، غير اني اتوقف عن اقتراح ما سيكون عليه ذلك الحد الاقصى ، فلست في موقع لتبيان أو توضيح أو وضع مقترحات لكيفية أن تقوم الدول بصياغة او إدارة عقدها الاجتماعي ولكني أشدد على أن تلك الحقوق يجب أن تكون مصانة وأن تحمي ممارستها وتضمن من قبل هيئة قضائية مستقلة.
شاهدت مثل العديد منكم على شاشات التلفزة ، ما كنت اعتقد أنه ثورة الشباب؛ ثورة قام بها وصنعها الشباب . وعادة ما نقول أن الشباب هم المستقبل. لكنهم هم الحاضر ، يكفي نظرة فاحصة الى التركيبة السكانية لندرك ذلك جليا ونتوصل الى تلك النتيجة …
وفيما اتنقل عبر الشاشات في متابعة حثيثة للاخبار ، لا أجد اثرا لهؤلاء الشباب الذين بشجاعتهم أوصلوا الأمور إلى ذروتها بحثا عن الحرية والحقوق . ومنذ ذلك الحين، دبت خلافات ، وخطف آخرون ثمار ما سعي اليه الشباب وتعذر الوفاق والاتفاق السياسي . إن التمكين من الحقوق الأساسية للحياة التي ذكرتها سالفا تخطوا ببطء شديد ، فيما يتابع اولئك الشباب خلافات السياسيين وتناحرهم فيما يجب أن يتخذ من قرارات في السياسة والمصائر. لكنني لا أريد أن أبدو محبطة أو أقلل من شأن ما يجري . لقد تغير شيء جوهري، وليس هناك ما قد يمكن أن يغير من طبيعة ذلك الزخم ، وهو نتاج تراكمات عقود من الاستبداد الذي لم يكن ليوفر أي فرصة واقعية أو حتى يسمح لانتقال يجري على نحو سلس.
والآن كيف لنا إذن أن نحقق الاستقرار في المنطقة؟ كيف يمكن أن نضمن توافر الأسس اللازمة للدفع بمنطقة الشرق الاوسط الى الامام ؟ يجب علينا نحن وكأمة عربية أن نعزز من تلك الأرضية المشتركة التي تجمعنا.
وربما حان الوقت لتبني ميثاق عربي للحقوق يضمن ذلك، وفي ظل هذا التوقيت بالذات تبدو الحاجة ملحة فيما تسعى دول الى تطوير نماذج دستورية، فيما دول اخرى تبحث جديا في افكار وأطر الاصلاح .
أتطلع ويحدوني أمل كبير في ميثاق عربي للحقوق يلي فيما بات يعرف بريبع عربي ، يكرس ويصون حقوقا غير قابلة للتصرف او المساومة ، يلتقط الأمل والعزيمة من الانتفاضات، وينظر الى تلك القيم المشتركة في جميع أنحاء المنطقة وكل ما يمكن التوافق والبناء عليه.
في منطقتنا ، لدينا أمور نشترك فيها ونتشابه ، كما نحظى بثراء في التنوع ، هذا ما يجب ان نسعى الى ضمانه ، وهذا ما كنا نفتقده في الماضي .ولكن الآن، ثورة المعلومات ويسر الاتصالات وما اتاحته ، ترسخ السعي والاحساس بضرورة تلك الحقوق غير القابلة للتصرف ، تغيرت وتطورت المواقف والتوق للمطالبة بالمساواة والحرية وتكريسها واقعا مصانا. وفيما تحاول المنطقة المنطقة الانطلاق إلى الامام بعد الاضطرابات ، تبرز الحاجة الى اصلاح جذري ، والتوازنات الاجتماعية الجديدة تحتاج إلى نهج وطريق جديد، .فكيف لذلك أن يتحقق ، وما هو المحتوى الذي يجب أن يتضمنه ميثاق الحقوق هذا ؟؟ مما لا شك فيه، إن هذا يتطلب عملا من أعمال القيادة العليا ورؤية تتشاطر وتتشارك بها الدول المختلفة، وفي جوهر الميثاق تبقى اساسيات تشكل الركيزة كحرية التعبير والأمن والحق في التعليم والصحة والضمان أو الامان الاجتماعي .
في مواثيق أخرى ، تقبع اسس وركائز ذات صلة شكلت سوابق حقوقية يستفاد من نصوصها واحكامها ، كالميثاق العربي لحقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، أو إعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام. وبالمناسبة، أود أن أشير إلى أن ذلك لا يعني أن ننظر خارج نطاق منطقتنا بحثا عن مضامين حقوقية ، ولكننا ينبغي أن نتفحص قيمنا وطرق عيشنا وتلك القيم المشتركة التي ناضل الكثيرون من اجلها.انا اشير هنا الى ضرورة البناء والبدء من القاعدة إلى القمة، مستفيدين ايضا مما هو متاح ومستعينين بالقادة من رجال الدين في اطار مسعى محلي ونقاش داخلي.
هناك بعض الشكوك في منطقة الشرق الأوسط من خطاب حقوق الإنسان الآتي من الغرب – الذي يبدو انتقائيا إلى حد ما- ، وعليه لا يمكننا الشروع في ميثاقنا الحقوقي باستيراد لغة الآخر والنماذج الأجنبية.
هذه المواثيق والاتفاقات الدولية الواسعة من حيث النطاق والطموح، وأشعر بالاسف عندما ارى دولا صادقت عليها لكنها اخفقت في الالتزام بها ، وهذا لا يحدث في منطقة الشرق الاوسط فحسب بل ايضا في أجزاء أخرى كثيرة من العالم. ومع ذلك، أود أن أوضح بانني لا أتحدث عن فرض محتوى تلك النصوص الدولية ، فكما ذكرت هناك أساسيات – ولكن لكل دولة ان تراعي وتضمن في النصوص بما يتلائم مع ظروف وخصوصية مجتمعاتها وموروثهم الثقافي.
ولعله جدير بالذكر أن نذكر وثيقة الأزهر التي أطلقها الدكتور أحمد الطيب، في صيف العام الماضي بشأن مستقبل مصر ، وكانت نتاج سلسلة لقاءات لمفكريين ومثقفيين على إختلاف إنتماءاتهم الفكرية مع رجال الازهر فمشروع كهذا ، فيه خصائص تصلح أن يحتذى بها في اطار تبني مشروع قومي عربي.
المفاهيم التي تحدثت عنها اليوم ، ليست قاصرة على منطقة الشرق الأوسط، بل هي أساسيات تشترك بها البشرية جمعاء. إن التوصل إلى توافق هو شيء رائع وجميل ، فهو يوفر أرضية مشتركة ،ومنصة تمكن من إحراز التقدم والانجاح على نطاق اوسع ، سواء أكان ذلك في مجال حقوق الإنسان أو في غيره من المجالات ، ومع الميثاق العربي للحقوق، وهذا هو هدفي وما اسعى اليه : تغيير دائم لا تعترض سبيله خلافات او تأخير.
شكرا لكم .
No comments:
Post a Comment