وزارة العمل وما أدراك ما وزارة العمل، وزارة تأخرت سنتين عن إعلانها واعترافها بوجود سوق سوداء، وكأنها بهذا الاعتراف قد أزاحت عن عاتقها المسؤولية بالكامل، وقد تزامن إعلانها قبل عدة أيام من موت وزيرها -رحمه الله- الدكتور غازي القصيبي الذي لزم فراش المرض لمدة تزيد عن العام والنصف، لماذا تأخرت سنتين عن الإعلان؟ علمًا أنني منذ سنتين هاتفني نائب وزير العمل الحميد تعقيبًا على أحد مقالاتي ليناقشني وينفي وجود سوق سوداء للفيز، وكان يريدني أن أستشهد بأسماء الذين يبيعونها ويناقشني عن عدم مسؤولية الوزارة عن تردي الوضع، وعن فشل نظام السعودة وإلقاء المسؤولية التامة على أصحاب المنشآت والوزارات الأخرى التي تسببت في هذه الظاهرة وهذه الحالة المأسوية في قطاع العمل. الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- كتب على فراش المرض وهنا أنقل بعضًا مما جاء في القصيدة الحزينة: «قضيت عمري ها أنا أعود إذ لم يبق إلا القليل الله يدري أنني مؤمن في عمق قلبي رهبة للجليل مهما طغى القبح يظل الهدى كالطود يختال بوجه جميل أنا الشريد اليوم يا سيدي فاغفر أيا رب لعبد ذليل ذرفت أمس دمعتي توبة ولم تزل على خدودي تسيل يا ليتني ما زلت طفلًا وفي عيني ما زال جمال النخيل يا للكلمات الرائعة من عبد على فراش الموت يطلب التوبة والرحمة، كلمات حزت في نفسي وتركت آثارها العميقة في صفاء ليلة رمضانية وقد استعملتها في مقالي هذا ليس لأي غرض يسيء للراحل -رحمه الله- ولكن عبرة للقادم. فقد استلم الوزير الجديد ملفات أسخن وأعتى من تسونامي جدة، تسلم إرثًا من قوانين عقيمة لا تصلح إلا للتدريس والمحاضرات وليس للتطبيق والمبادرات. تصلح للأحلام الوردية والأفلام الوثائقية ولا تمت للواقع بصلة، خلفت أجواء رمادية من أعمال بلا عمال ووظائف من غير موظفين، ومبادرات من غير تطبيق، وجعلت المواطن ينظر للمقيم وكأنه عدو لدود يصارعه على لقمة العيش من غير مقدرة ولا حقوق، ولهذا أصبحت الأجواء الوظيفية ملبدة بالأخلاق العنصرية واللغات غير الحضارية، حتى في أوقاتنا الرمضانية. إن كان الراحل قد شغلنا في السياسة والفكر والشعر والأدب. فالقادم بماذا سيشغلنا؟ أفي المشاريع التسونامية أم في أنظمة جديدة جداوية؟ هل تاريخه سيكون عائقًا أم سيكون دافعًا لعادل فقيه لإثبات عدم صحة كل ما أتهم به أثناء إدارته لأمانة جدة لنصرخ مثل فيروز في أغنيتها الشهيرة: “يا رئيس البلدية..”، من الأمانة إلى العمل نقلة فجائية ونوعية، أهي لإزالته عن منطقة الخطر واستبعاده عن مواجهة القدر؟ أم هي لإعطائه فرصة لتحقيق هدف؟ إن كان هذا أو ذاك فكل الأنظار تتبعك أيها الوزير الجديد؟ لتثبت لنا ما هو جديد على ساحة العمل، هل ستضيف أم ستلبس ثوبًا فضفاضًا جديدًا؟ وتفصل لوطننا وزارة عمل بقوانين تغنينا عن الطلب؟ مواعيد ووعود وخطط وبوادر وما إليها من تعب في وضع خطط خمسية وأهداف عشرينية، ولكن هل سيعطيك القدر وقتًا لتصل إلى ما يصبو إليه المواطن والمقيم من تحقيق طلب؟ أم ستدار وزارة العمل كشركة استثمارية رغبة لمن يدفع أكثر ويحصل على الجائزة والعضوية؟ وزارة العمل وما أدراك ما وزارة العمل، كد وجهد، وآمال وطن، بأن تجعل للأغلبية عملًا، ليعيش المواطن ويحصل على قوته ويسد بها جوعه وكرامة إنسان، ويستعيد المقيم قيمته كإنسان، ونشعر بأننا نقيم حقًا في مملكة ملك الإنسانية الذي يشهد له ويشار له بالبنان بأنه قائد أمة الإسلام الذي يشعر بمعاناة شعبه ومعاناة كل إنسان يعيش على أرض وطننا الذي أكرمه الله بأفضل الأديان. كما أتمنى من أمين جدة الجديد ألا يقع في فخ الآمال والمنشتات الإعلامية التي باتت على لسان كل مسؤول بإيصال مدننا للعالمية، وقرانا وهجرنا تئن من النسيان والهجرة الجماعية من سكانها لقلة الموارد البسيطة من أدنى الاحتياجات الإنسانية، ومدننا الجميلة التي تحتاج إلى بنية تحتية، وحلول فورية لكوارثنا الطبيعية، وبحيراتنا الصناعية والأودية المليئة بالنفايات الكيمائية، فالأجدر والأهم معالجة مشكلاتنا الأبدية والبدائية قبل حتى التفكير بالمحلية فكيف بالعالمية؟ أم هي أصبحت ظاهرة عالمية تعلمناها كفنون إعلامية لجذب الأصوات المحلية، وتنقية الأجواء الصناعية من كل ما يعيق المسؤولين من تحقيق أجندات وأهداف نرجسية لا تصب إلا في مصالحهم الشخصية.
همسة الأسبوع :
لا يبقى من الإنسان إلا ذكراه فرحمك الله يا غازي القصيبي ووفقك الله يا عادل فقيه وأعاننا الله على أمين جدة الجديد لأداء الأمانة وقول الحق وإن عز.
No comments:
Post a Comment