وردتني على بريدي الإلكتروني رسالة من أحد المحامين في منطقة مكة المكرمة، فحواها ما يلي: «من متابعتي كتاباتكِ لمستُ مدى اهتمامكِ بالشأن العام، لذا ولكونكِ في المقام الأول سيدة تشعر معاناة المرأة، وللتأثير الإيجابي الذي يحدثه قلمكِ في تناوله لمواضيع تهم شريحة مهمة في مجتمعنا، استسمحكِ في إشراكك في هاجس يلحُّ عليَّ منذ فترة طويلة يتجسد في العمل وفي شكل جماعي على إيجاد وسيلة تكفل إنصاف وحفظ كرامة المرأة التي تضطرها ظروفها للجوء إلى المحاكم وأقسام الشرطة للحصول على حقوقها. ولكِ يا سيدتي أن تتصوّري حجم معاناة امرأة مطلّقة انحصر أملها في الحياة أن ترى أبناءها الذين حرمت من رؤيتهم بقرار ظالم من طليقها لمدة قاربت الأربعة أعوام، أو امرأة أخرى تعود مع أبنائها من الإجازة لتفاجئ بمنع زوجها لها من الدخول لمنزلها مبررًا لأفراد الدورية الذين استنجدت بهم فعلته هذه بكونه قد قام بتطليقها! ولا تجد إنصافًا لا من المحكمة، ولا حتى من جمعية حقوق الإنسان، ولتلافي المزيد من الإطالة سأكتفي بنهاية الحالتين مع الإشارة إلى ما تتعرض له السيدات من تحرشات ومضايقات من بعض ضعاف النفوس في المحاكم وأقسام الشرطة ومساومتهن لإنجاز معاملتهن دون وازع من دين أو ضمير، أسف للإطالة، ولكن آمل في تبنيكِ لهذا الموضوع، والأثر الإيجابي الذي سيحدثه طرحكِ له، وتقبلي وافر تحياتي» أخوك: خ.أ.ومنذ أن بدأت الكتابة عن جمعية حماية، وأنا أتلقى عشرات من الرسائل المحزنة، والمأساوية، وما هذا إلاّ نقطة في بحر. ما الذي أوصلنا كمجتمع مسلم على أرضه منبع النبوة والحرمين الشريفين لهذه الحالة المتردية؟ ما هي الحلول؟ توجد جوانب كثيرة لهذا الموضوع لابد أن نتطرّق إليها، ونضع أسس وقوانين رادعة، ونسخر أجهزة حكومية وشرعية لدعم مشاريع الإصلاح الذي بدأها خادم الحرمين الشريفين -كان الله بعونه- فعلى سبيل المثال فلماذا لا ينصهر جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليصبح جهازًا حكوميًّا تحت لواء وزارة الداخلية بقوانين وأهداف تخدم المستضعفين، وتحد من تسلّط الجبارين داخل إطار رسمي، وبجهاز مدرب في كليات الشريعة تحت مسمّى بكالوريوس في علم تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن فعاليات الوزارات الاجتماعية والقضائية لتفعيل حل مشاكل المرأة، والأخذ بيدها، ونصرة المظلوم والمظلومة حسب الشريعة، خلافًا للذي متبع من تتبّع أخطاء النساء والرجال وحلها بطريقة عشوائية بدون أنظمة محددة قانونية شرعية، وليفعّل هذا الجهاز ليصبح منظومة داخل وزارة الداخلية لا كجهاز مستقل، هذا ما أراه كأحد الحلول الجذرية لما تعانيه المرأة بشكل عام من اضطهاد، وهضم حقوق، وعنف، ومسيرة حياة، فقد كان السلف يهيئون عساكرهم لضبط الأمن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضمن جهاز واحد مرجعيته المحاكم ضمن ضوابط شرعية من نصرة مظلوم، أو رد حق، أو ضمان الحقوق التي أمر بها الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم للمسلمين عامة وللمرأة خصوصًا، لأنها ظلمت في وقت الجاهلية، واستُبيح حقها في الأديان الأخرى المحرفة، فجاء الإسلام لينصر المرأة ويضمن لها حقوقها التي أمر الله بها، فلننظر لواقع المرأة في البلاد المجاورة، فها هي الكويت تمنح مواطناتها حق السفر بدون محرم، وحق إصدار البطاقات لهنّ ولأولادهنّ، وحق سفرهن مع أولادهن، وحقوقها العائلية كافة، أليسوا مجتمعًا إسلاميًّا وقبليًّا أيضًا؟ ولكنهم واجهوا حقيقة مجتمعهم الأليم من تجبّر رجال هذا الزمن، وسطوتهم على نسائهم وأولادهم بإذلالهم حتى يعطونهم أمر سفر، أو بطاقة أحوال، أو حتى إذن لدخول المدارس أو المستشفيات، وغيرها من أمور الحياة اللازمة ليعشن مع فلذات أكبادهن بشرف وكرامة، فما أقول إلاّ لا حول ولا قوة إلاّ بالله، وحسبي الله ونعم الوكيل، فإنني أتضرع إلى الله عز وجل أن يقي هذه الأمة شر الفتن ويهدي ولاة أمورنا وعلمائنا لوضع أسس جديدة لمجتمع قد تطور بصورة مذهلة وتحوّل تحولاً جذريًّا لنواكب درء الفتن التي حلّت بديارنا، وأصبحت على أبوابنا، والله الهادي لسواء السبيل.
همسة الأسبوع عن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-:
“مَن تفكّر أبصر، قارن أهل الخير تكون منهم، ظلم الضعيف أفحش الظلم. العدل يضع الأمور في نصابها، والجود يخرجها من جهتها، العدل سائس عام، والجود عارض خاص، فالعدل أشرفها وأفضلها”.
No comments:
Post a Comment