عندما قرأت خبر عدم توقيع رؤساء الخليج على معاهدة الدفاع المشترك، وتصريح وزراء الخارجية بأنه يلزمنا الوقت لدراسة المستجدات لهذه الإتفاقية، تذكرت ما كتبت منذ شهور في مقالاتي عند سماعي أخبار الوحدة الخليجية والأردنية، وبعدها عدة محاولات لوحدة الصف العربي، مع أنها لن تنفع ولن تكون مجدية ، لأننا دخلناها بقلوب غير صافية في أوقات العاصفة ، ولم ندخلها وقت السلم والرفاهية ، والأمن واستقرار العملات والسياسات الوطنية.
لن تنفع صور الإعلام عن الأخوة والوئام ، فالظاهر للعيان غير ما يدار وراء الأسوار، وأكبر دليل هو تفكك كل الشراكات وتعثر كل القرارات.
فلماذا ندور في دوائر فارغة ونترك الساحة للبلبلة والشوشرة ، ونبدو وكأننا مراهقين لا نستطيع حتى عدم إصدار للإعلام قرار قبل تمكننا الفعلي وتفعيله على أرض الواقع ثم نشره إعلاميا، ليكون له صدى محليا وعالميا.
أصبحت متابعة الأخبار - بالنسبة لي- تجربة مؤلمة يوميا ، سواء الفضائية أو المقروءة أو حتى الإلكترونية، صراع يومي ، وإجبار نفسي ، على تصفح خيبة أمل جديدة يوميا، من الأخبار التي لا تنم إلا عن صراع داخلي يؤرقني، وبالأكيد يقلق مَنْ يقرأ ويريد فهم الحقيقة من وراء تخبط أصحاب القرار.
وأنا متجهة لبلد خليجي على متن خطوطها ، طلبت قراءة صحفها ، فتفاجأت وقلت في نفسي ما هي هذه المصيبة العظيمة ، هل من المعقول أن هذه البلد الصغيرة التي تستضيف مؤتمرات كل يوم من السنة، وصاحبة المبادرات العظمى، والثروات الخارجية الظاهرة للعيان، كلما تضع قدمك في عاصمة غربية، وتحركات قادتها الحثيثة التي لا تهدأ أبدا ولا يهدأ ضجيجها، تعاني مثلما نعاني من تدني الأجور والفقر والعوز، ومطالبة البعض المساعدة بواسطة جرائدهم المحلية ، ونحن نسمع في بلدنا أن ثرواتهم العظيمة يحظى بها الفقير والمواطن والقريب والغريب والبعيد، هذا إن وجد بعيد، لأن خارطتها لا تسع إلا طريق صغير من أحياءنا في عواصمنا المحلية، فهي تعتبر نقطة في بحر ، ولكن ثرواتها هائلة ومصادر الطاقة لديها وافرة، غير مناداتها للديمقراطية وإعطاء الحقوق، وهذا ما ليس واقع ولا مقروء، ونرى ساساتهم في كل قضية محلية ودولية يدخلون ويندسون ويعلنون ويطلبون الإعانات الدولية، وهذه هي التركيبة التي لم أفهمها، ما سمعته وما هو معلن ومعروف أن مواطنيهم مرفهون، ولكن الواقع والذي اكتشفته أنهم لا يختلفون عنا بشيء ، إنهم يصرفون أموالهم في المؤتمرات الدولية التي هي على مدار الساعة تدير عقارب السياسات العالمية وتوجهها بقوة وجبروت، وهنا وبعد قراءة جرائدهم أقول لهم : "من أين لكم هذا؟، وما هو هذا؟" السلطة والقوة والنفوذ وهم في بلدهم لا ينجزون كما تهيأ لي، فنحن كلنا متوحدين في هذه المشاكل، ولكن لدينا توحد في حلها، لماذا نحن في الخليج نعتبر أننا مختلفون عن الآخرين، فقد اكتشفت أن لدينا حالات من توحد الهدف، وهو الصعود إلى قمة الهرم حتى لو كان ذلك على حساب التضحية بالمواطن وثروة الوطن مقابل لعب الدور الأساسي في المنطقة، وعدم فتح المجال للجيران بأن يكونوا السباقين في فعل الخير والمعين، في حل أزمات التوحد التي أصبحنا نعاني منها جراء سياساتنا الجرداء، بل أصبح التنافس على مَنْ يحلها أو يخربها والرب معين، في إحداث شوشرة وبلبلة حتى ضمن مجلسنا الذي بات يئن ويشتكي من أين الوحدة، أصبحت فعل "كان" ، وإجهاضها كان قبل ولادتها ، فكم سمعنا عن توحد هذه البلاد وكم سمعنا عن وصولهم للحلول، وهنا لابد وأن أشير بكل مصداقية وشفافية إلى دور ولي عهد السعودية الأمير نايف ، لأنه الوحيد الذي أحرز تقدما ملحوظا في مجال الاتفاقيات الأمنية ، ولكن المجالات الأخرى أصبحت في خبر إن وكان!
والآن أصبح هذا الجهاز- مجلس التعاون الخليجي- يعاني من توحد في الرؤية في وقت يجب فيه توحيد الهدف وانصهار المصلحة الخاصة في المصالح العامة، لنصبح قوة باسقة تنمو باستمرار متجهة نحو السماء، وجذورها عميقة في الأرض، وبذلك نضمن بروز أجيال قادمة من غير مزايدة، لأنهم سيحصلون على ما يريدون لأن جيلهم لا يحتمل الإبطاء، بل يسابق الريح، لذا وجب علينا أن نسبق الزمن والثورات لنزرع بأيدينا ثقافة الحريات والوحدات والتفاهم والحوار بدلا من توحد الرؤية ، وترك الدفة والسفينة لأسباب ليست أبدا جوهرية بل نثرية، ولا يجب أن تكون طاقة سلبية بل إيجابية، لابد من أن نقول قولنا ولا بد من سماع أصواتنا، لأننا نحب أوطاننا ومستعدين كشعوب أن نحمي ترابنا.
همسة الأسبوع
بما أننا في هذه المنطقة نشبه بعضنا بعضا في أدق التفاصيل، لماذا النفور ودق الطبول؟ كنت دائما أتساءل بيني وبين نفسي: لماذا هذا التوحد في القرارات ؟ والتوحد في استخدامها كأجندات لضمان المقاعد الوثيرة، والمساجد الأنيقة، والمباني الجميلة، وتصدير للعالم ثقافة جديدة مبنية على محو الهوية العربية الأصيلة؟
*كاتبة سعودية
www.basmahbintsaud.com
twitter@TherealBASMAALS
No comments:
Post a Comment