أولا أهنئ شعبنا بدخول شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا في كل سنة بخير وعافية وسلام للأمة العربية خاصة وللعالم الإسلامي عامة، ولابد أن تسألوا ما هو الرمض وما هي النار وما شأنهما في هذا الشهر الكريم، فإنني قد جزّأت كلمة «رمضان» إلى جزأين لأجعل منهما عنوانا لمقالي لما يحتويه من نيران تحرق فؤادي، وومضات تمر عبر أفكاري مثل الأضواء الكونية التي نراها في لحظة صفاء سماوية في ليل ونجوم ربانية، في لحظة تاريخية، في سكون الليل، وعلى أنغام أصوات الليل المنسية في ظل حرارة بركانية، ومشاعر ثورية.
أطلق الوصف لأنني أكتب في هذه اللحظة وأنا كلي مشاعر تتجاذبها شتى الاتجاهات، من حزن، وفرح، وبكاء، وضحك، لأنني لا أعرف لحالة أمتنا من هوية، ولا وصف، ولم أستطع أن أمسك برأس الخيط، ولا أن أفك رموزًا مسكونة بآلاف القصص، والمعاني والشجون الإنسانية، هذا العام يطل علينا هذا الشهر المبارك في النصف الأخير من الصيف، ومعظم الشعب السعودي مسافر في رحلة منسية يفتش عن هويته الضائعة، ماذا يعني صيام رمضان في الخارج، ماذا له من روحانيات إلهية، ما معنى أن نصوم على إيقاع القيثارة الغربية، أو الأناشيد العربية، والمقاهي المملوءة حتى التخمة بالمأكولات اللبنانية والسورية والمغربية، وافتقدنا أكلاتنا الشعبية المدنية والمكاوية والحجازية والنجدية. فقدنا حتى اللمسة الوطنية في مأكلنا وشربنا، وحلنا وترحالنا.
ماذا يعني لنا رمضان هذه السنة، وفي السنين القادمة التي ستلي هذه السنة؟ سيصادف شهر رمضان الاثنتي عشرة سنة القادمة إجازة صيف حار، فهل ستضيع الهوية بالكامل؟ وننسى رمضان الخير والصوم والعبادة؟ ونستثمره في قضاء الإجازة، والمرح وتجوال عالمي بين الحضارات والأمم، ونلغي معاني هذا الشهر الكريم ونحتفل بقدوم أعياد الميلاد ورأس السنة، ونصبح مثل الأمم الباقية العربية عنوانًا من غير هوية، فقد أضاعوا المعاني وأعطوا هذا الشهر الكريم صفة غريبة، من لهو، ومشاهد درامية، نقضيها أمام التلفاز من مغرب الشمس حتى مطلعها ونسينا التراويح والتهجد، إلا من رحم ربي، أسواق ملبدة بالمتسوقين وحجوزات دولية، وسهرات رمضانية، هذه هي أصبحت أجواؤنا الرمضانية.
هل هي أزمة أمة وستمر أم هي باقية؟ هل هي تغيير للهوية الإسلامية أم هي حالات شاذة فردية؟ لماذا الهجرة الجماعية عند دخول هذا الشهر الكريم، بدل العودة الجماعية لأطهر بقعة على وجه المعمورة، فالآن بكة والمدينة معظمهم من الدول الإسلامية وقلما نرى مواطنينا في مثل هذا الشهر في أماكن أشرف العبادات، السنة المنصرمة كانت الأنفلونزا التي أخافت مواطنينا من اللجوء إلى حرم الله، ومسكن رسولها، أما هذه السنة فستكون أنفلونزا النسيان التي أنست مواطنينا معاني رمضان. نسينا أن علينا الرجوع إلى الأصول، والصيام في بلاد الحرمين التي يتسابق للصوم فيها العالم الإسلامي، فلماذا النفور؟ لماذا تغيرت مفاهيم هذا الشهر ؟ هل هي مناهجنا الدينية ؟ التي تحفظ وتدرس، ولا تفهم، ولا تنمي الحس والوازع الديني، بدلا من حفظ أرقام وأحوال الزكاة، وكيف حل الأسماء وحفظ الأحاديث من غير تدريس للسيرة النبوية لنقارن ونعرف أسلوب النبي الأمي، والهدف من وراء الحديث، جدال عقيم يدور بيني وبين نفسي، هل أكلم نفسي؟ أم سيسمعني المسؤولون عن التعليم، ويضعون يدهم في يد كل من يملك الرؤية الواضحة، لإرساء وإعادة شاملة لأحوالنا وتأثير مناهجنا علينا وعلى فلذات أكبادنا، ماذا فعل الإعلام للتربية إلا نشر مواعيد المسلسلات العربية، وأوقات الحفلات المسائية وحجز الحفلات الطربية.
ماذا فعلت مؤسساتنا من وضع برامج وخطط لمواجهة الهجرة الجماعية ؟ أم أصبحت لديهم عادية، بل أصبحوا هم جزءا من هذه الأنظومة، فلم يعودوا يرون أنها طريقة أضلتنا وأضلت أجيالا وأجيالا آتية.
رمض ونار هي مشاعري الإنسانية حين أرى هذه المشاعر السلبية لأننا أصبحنا مشتتين كل في عالم لا ينتمي إلى الأخر، مهاجرين هجرة الطيور الصيفية، فأصبحنا في أجواء لا تلائم طبيعتنا الإسلامية، ولكن تأقلمنا وتحولنا إلى مخلوقات لا تشبه أسلافها في سيرتهم الربانية، فأصبح الإسلام غريبا، والشهر الكريم ضيفا ثقيلا ورمض ونار لمن أضاع السيرة النبوية، والمشاعر الإلهية والهوية الوطنية، والمعاني الأصيلة، طوبى لمن تمسك بأصوله الإسلامية في هذا الزمان الذي أصبح الماسك على دينه كالماسك على جمرة.
همسة الأسبوع
أراقب السماء وهلال رمضان.. فأرى الشهب تسقط علينا من كل حدب وصوب، هل هي نهاية القصة؟ أم توجد تكملة روحانية لحالة أمتنا الإسلامية؟
No comments:
Post a Comment