Monday, 31 August 2009

الرأي الأخر

أما باريس العاصمة التي لا تنام ، فها هنا تكتمل الصورة وتنتهي إجازة الخليجيين والعرب، وكأنهم جميعا على موعد ، فإنك ترى كل الوجوه التي رأيتها في جنيف موجودة في شارع الشانزلزيه، فمن بعد الساعة الثامنة مساءً ترى مواطنينا وقد تحولوا إلى خفافيش الليل يتناولون الوجبة الأولى في مقاهي ومطاعم هذا الشارع المعروف دوليا بجماله ومعالمه التاريخية.ومعروف لدينا كأكبر مركز لتعارف الجنسين والتباهي بأفخم السيارات الموجودة عالميا وعليها لوحات سعودية وخليجية مصفوفة أمام المقاهي والمطاعم التي يبلغ إيجار توقيفها في هذا الشارع عشرات الألوف في اليوم .ومعروف أيضا لدينا بـأكبر شارع تسوق ننهي به إجازة الصيف. فلا نعرف من باريس إلا هذا الشارع، وشارعين إضافيين للتسوق والمطاعم والملاهي.
أما أمام المتاحف ومناطق المناظر الخلابة فلا نكاد نرى مواطناً فيها إلا من رحم ربي. منذ أصبحنا أمة شراء وتبذير .
لا نفهم من السياحة إلا الشراء والمباهاة بماذا رجعنا به هذه السنة من موديلات عالمية من هذا البلد أو من تلك المدينة.وقد حملنا أنفسنا أعباء لن نستطيع أن نحملها بعيدا، فقد اقتربت الساعة واقترب الحساب. وكثرت الذنوب ، وقل الحياء، ولم نعد نلتفت إلى المعنى والكيف ومازلنا ننحدر سنة بعد سنة في هاوية الاستهتار وعدم الاكتراث إلى التنبيهات العالمية ولا الغيرة الإلهية، أين الحل والمفر من حياتنا البوهيمية؟
همسة الأسبوع
عن علي بن أبي طالب في فوائد السفر:
تَغَرَّبْ عَنِ الأَوْطَانِ فِيْ طَلَبِ العُلَى
وسافِرْ ففي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِتَفَرُّجُ هَـمٍّ،
واكتِسَـابُ مَعِيْشَـةٍ
وَعِلْمٌ ، وآدابٌ،
وصُحْبَـةُ مَاجِـدِ
فإن قيلَ في الأَسفارِ ذُلٌّ ومِحْنَـةٌ
وَقَطْعُ الفيافي وارتكاب الشَّدائِـدِ
فَمَوْتُ الفتى خيْرٌ له مِـنْ قِيامِـهِ
بِدَارِ هَوَانٍ بيـن واشٍ وَحَاسِـد

Monday, 24 August 2009

السياحة..>2

عندما أفكّر بسويسرا وعاصمة المال جنيف لا أستطيع أن أتذكّر إلاَّ المعاملة الراقية، وجودة الطعام، ودقة النظام، عند إقلاع الطائرة من مطار هيثرو، كنتُ أمنّي نفسي بعدة أيام من الراحة، والسكون والنظام. ولكنني تفاجأتُ منذ نزولي من الطائرة بفوضى وعشوائية. وتساءلتُ منذ اللحظات الأولى، وأنا في المطار: ماذا حلّ بهذه العاصمة الراقية؟ ولكني ذُهلتُ فعلاً عندما دخلتُ إلى الفندق، وسمعتُ من الضجيج وانبعاث الروائح يوحي لك وكأنّك في مقهى من مقاهي جدة، فروائح الشيشة تنبعث من غرف الفندق مخلوطة برائحة العود والكبسة السعودية. عندها وقفتُ وقفة إجلال واحترام للشعب السعودي، الذي استطاع في فترة وجيزة أن يحوّل أفخم فنادق في العالم إلى سوق عكاظ، وكورنيش جنيف الذي يطل على بحيرة اللومان الشهيرة إلى كورنيش جدة والتحلية. فقد رأيتُ هنا ما لم أره في لندن، فقد اصطفت البنات وأمهاتهن على رصيف، والآباء وأولادهم في المقاهي المقابلة لهم، لا يفصل بينهم إلاَّ أمتار قليلة، وكأنّهم في أحد الأفلام الأمريكية المسعودة. والموسيقى الخليجية تصدح في ليل جنيف مع ضجيج ورنين الألعاب على ضفاف النهر وجبال الألب، تنظر إلى الأسفل متسائلة: ماذا حل بمدينة الرقي والمال؟ فقد استنفرت المدينة بأكملها لاستقبال العرب، واستنفرت المحلات التجارية بعروضها، والفنادق بسائقيها وسياراتها الفخمة، ومحلات المجوهرات بمترجميها لتسويق وبيع قطع من المجوهرات بملايين الفرنكات السويسرية إلى سيّاحها العرب. لربما يتساءل القرّاء: كيف اختلف الوضع عن قبل؟مع الركود الاقتصادي، فقد تحوّل العالم إلى التوفير والاقتصاد، إلاَّ نحن، فنحن نصرف المال وكأنّنا لازلنا بطفرة، وليس بكارثة اقتصادية دولية، أو كأنّنا في كوكب يختلف عن كوكبنا الحالي، فلا أنفلونزا الخنازير، ولا كارثة الاقتصاد العالمي، ولا زلازل العيص، غيّر شيئًا من نمطنا وأحوالنا، ولم نتعلّم أيَّ درسٍ من انهيار كل شيء من حولنا، وعلامات اقتراب الساعة تتكاثر من حولنا، فلازلنا في غيبوبة، ولازلنا في العناية المركزة.وللحديث بقية...همسة الأسبوع:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ واللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{. صدق الله العظيم.قال صلى الله عليه وسلم: “والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على مَن كان قبلكم؛ فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم”.
24 اغسطس 2009

Monday, 17 August 2009

السياحة..>1

عندما بدأت مع أولادي رحلتي الصيفية ، كان مقصدي الأول هو الاسترخاء من عناء سنة كاملة مليئة بالعمل والتحصيل والمتابعة الأسرية، فمن خلال تجوالي كنت أنظر للأمور من عدة نواحٍ،كسائحة عادية ، وكناقدة اجتماعية وإسلامية، وسعودية، فقد كتبت من قبل عن حال نسائنا عندما يبدأن بالسياحة حول العالم ، بل أقول سياحة الشراء الدولية ، وكأنهن أصبن بحمى أو أنفلونزا الشراء.فقد استرعى انتباهي هذه السنة ، حمى الظهور لشبابنا وشاباتنا ، فقد رأيت وسمعت في مدينة الضباب لندن، ما تقشعر له الأبدان، ويندى له الجبين ، وما تستحي منه أخلاقنا الإسلامية، فقد رأيت شبابنا في الشوارع بسياراتهم الفارهة مصحوبين بأغاني محمد عبده وعبدالمجيد عبدالله، للفت الأنظار من عرب وعجم، ليروا بملء العين والأذن ثقافتنا وتراثنا، وعاداتنا المشرفة، عندما نسافر إلى الخارج، كما استرعى انتباهي سفور بناتنا وأولادنا في الشوارع، والمقاهي ، والملاهي الليلية ، تعبير عما آل إليه إسلامنا ، وأخلاقياتنا كشعب، بُعِث من ترابه الوطني آخر رسالة ، وأفضل الرسل، أين المربون؟ أين الآباء؟ أين النشأة؟ أين الحلال والحرام؟فمن المسئول عن الصورة المشوهة لنا في الخارج ، سواء لشبابنا، أو كهولنا؟ أين الخلل بين تعاليمنا ومنهج حياتنا؟ أين الخلل في قنوات الاتصال بين مشايخنا، ومناهجنا التعليمية، وتربيتنا، وبين طريقة حياة النشء والبالغين. فالحالة لم تقتصر على الشباب ، بل هي أصلا خلل في البالغين، حين يمضون لياليهم بالسهرات الغنائية ، والجلسات التي تمتد حتى شروق الشمس، بينما شبابنا ينشرون ثقافة اعتمدت على المظاهر البراقة، والخيلاء والتكبر، فمن يملك الأكثر فهو الأحسن والأفضل، ومن يجاهر بالثراء والأملاك فهو المتميز. كيف أصبحنا هكذا؟ أهو المال؟ أم الثراء المفاجئ؟ أم أسأنا تفسير تعاليم ديننا الحنيف ؟ ستكبر الفجوة، وتُعمق الهاوية إن لم ندرك أنفسنا قبل فوات الأوان ، فإن صور الفساد تتمثل أمامنا بعدة أوجه وصور، ولكنها في النهاية واحدة.وللحديث بقية....همسة الأسبوع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنما بُعثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاقِ»

17 اغسطس 2009

Monday, 10 August 2009

رمضان

قد ولّت الشهور، وتعاقبت الأيام، وها نحن على أبواب شهر الرحمة والاستغفار، والتوبة والإنابة. فلنستطلع معًا مجريات السنة المنصرمة: حروب، أوبئة مستعصية، حالات اجتماعية محزنة، انهيار اقتصادي عالمي، مجتمع محلي متذبذب برؤية غير واضحة لمستقبل مجهول الهوية.فمن مجاهر بالرذيلة، إلى قنوات دينية مجهولة المسار. فإلى أين؟ وكيف؟ سيمضي هذا العام، بعد انقضاء شهر الرحمة؟ فلا يوجد منا فرد في هذا المجتمع، سواء كان متحررًا، أو متعصبًا، أو وسطيًّا، إلاّ وتساءل: كيف سنقضي هذا الشهر؟ فبعض منا ينتظر هذا الشهر ليشاهد آخر ما تفتقت به قريحة المخرجين العرب من مسلسلات وبرامج لا تليق بنا كأمة محمدية في مسيرتنا الدنيوية، فكيف بأطهر وأرحم الشهور؟ ومنا مَن ينتظر هذا الشهر ليستغفر وينيب، ويتطهر من ذنوبه عن الشهور التي مضت، وكأن شهرًا واحدًا في السنة، يكفي لعبادة دهر، ومسيرة حياة، وما أن ينقضي هذا الشهر إلاَّ وترجع الأمور إلى سابق عهدها من فجور وانحلال وذنوب.ومنّا مَن يقضي هذا الشهر في سكون تام، وحالة تمعن، وعبادة، وخطط لمواجهة هذا العالم الذي يتفنن بتكوين حالات من المشاكل والفضائح، وأمور يصعب عليَّ أن اختصرها في أسطر قليلة في زاويتي هذه.لماذا لا نستغل قدوم هذا الشهر في بداية جديدة لأمتنا الضعيفة؟ ضعفنا في إيماننا، فأضعف الله قوتنا، وفرق شملنا. لماذا لا نراجع أنفسنا، ونحول مسيرتنا كأمة، وأفراد، ومجتمع، إلى ما كنا عليه في بداية الإسلام من قوة، وتكاتف، لماذا لا نساعد أنفسنا وولاة أمورنا على تصحيح ما أفسده الشاذون منا؟ فالعقوق، والشذوذ، لا يقاس أبدًا بعقوق الوالدين فقط. والشذوذ الجنسي، بل يقاس بعقوقنا لكل ما حولنا من نعم، وشذوذنا عن الأخلاق المحمدية، التي أرساها أفضل الرسل، وأرسلها الخالق بواسطة رسله، لخلاص البشرية، والعالم بالخلود الأبدي في جنات لا يعلم جمالها إلاَّ خالقها.فلينظر كل منا إلى داخله، ويحاسب نفسه، ويصحح مساره، قبل نفاد المهلة، والاستعداد للرحلة، الرحلة الأخيرة. اللهم اجعل هذا الشهر، شهر يمن، وعبادة، واستغفار، وتصحيح مسار، واهدِ قلوبًا تعودت على الاستعلاء على خالقها، والشذوذ على كاتب مسيرتها.
همسة الأسبوع
بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ.