“ذاكـــرة أمـــة” الإثنين/ 23/ صفر 1436 الموافق /15/ ديسمبر(كانون الأول) 2014
بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز آل سعود*
©جميع حقوق التأليف و النشر محفوظة للأميرة بسمة
كل أمة لها ذاكرة تتألف من أربع :
تاريخ وماضي وحاضر ومستقبل
كل ذاكرة لها أمة :
ثقافتها، ربيعها، خريفها، وشتائها، كل زمان ومكان له وقائعه التي لن يعيدها التاريخ بنفس المواصفات، بأطيافها الملونة.
أطفال، نساء، شيوخ، وشباب، دائماً أربع تصنع توازن الطبيعة والأزمان، فإن فقدت إحدى عناصرها اختل الميزان، وتصاعدت أبخرة ودخان ونار وعواصف رملية تعمي العقول قبل العيون، وتذهل الأجنة في أرحام النساء.
الذاكرة هي ليست من صنعنا، بل وضعت لكي نتذكر ما صنعته أيدينا، ومن قبلنا، لربما نتعظ ونصيب في تالي الزمان.
أمة تضيع بين مريض وفقير، ومعتاز وعاطل.
وبهذا تضيع منا فرصة إصلاح ما خربه الزمن وأصبح زائلاً.
كرة أرضية لا يشبهها كوكب في درب التبانة الشمسية ولا القمرية، أما ما وراء الثقوب السوداء فهذا من علم الغيب والإله.
كوكب يتصارع على البقاء عليه ما يقدر بثمانِ مليارات نسمة، وهو يستوعب مليارات الأرواح المؤمنة.
أحداث تتعاقب ويظن الإنسان أنه انتهى، ويظن الزمان أن الإنسان اختفى.
موازين عالمية أصبحت مختلة، وسياسات كونية أصبحت تجوب الكون استعداداً للاختلاف واستيطان الموهبة.
مجرات تغذى من أليات صنعها الإنسان، ولم يفكر حيناً أن المجرات لن تحل المعضلة ولا المشكلة، أقوام وأمم تتصارع من أجل لون ومذهب وحتى فكرة ضوئية فكيف لها أن تكون ذكية في أية معادلة رياضية.
مصر صارعت واجتاحتها النيران وأضعفت قوتها وسيطرتها الأممية في المنطقة العربية، وفي الأخير لم تخرج بنتيجة إلا بديون لا تستطيع أن تدفعها إلا بعد زوال شمس المغيب، فأمم أنمحت من ذاكرتها عبق التاريخ وأصبحت تحارب حتى أجهزة التنفس الاصطناعية.
المعارضون لم يعودوا يعرفوا ماذا يريدون، والحاكمون لم يعودوا يعرفوا كيف يحكمون، الثورات أذهبت ذاكرة وذكرى أمماً كانت بالأمس إطلالاً، وثقافة وحضارة وأمن، حتى لو كان سيفا على رقاب المعترض.
امتحان واختبار، لم ننجح فيه في قرن الواحد والعشرون، فبدلاً من أن يكون نتيجة وعصارة قرون بحضارة وتكنولوجيا تفوق تصور الأجداد بأشواط بل بسنوات ضوئية، أصبحت إدارة لمحو ذاكرات وليس فقط ذاكرة أمم وحضارات بقيت للذكرى والاتعاظ وليس للهدم والتخلص منهم بواسطة طائرة بلا قائد ولا أجنحة.
فإن أَرَادَ الحكْم العالمي أن يأمر بإزالة كل ما كان فليس عليه الآن إلا أَنْ يضع بنْصرَهُ على زر الأمن والأمان ويضغط على استباحة الإنسان والمكان والزمان، ويفنى بلحظة كل ما كان، من غير تعذيب ولا ذبح ولا تشويه، بل موت رحمة وضمير من غير إراقة الدماء وذبح الأطفال وتشريدهم على قارعة الطريق، واستباحتهم على القنوات الفضائية باسم الحريات الشخصية، والليبرالية وأسماء وهمية وضعوها وصدقتها الأمم، ومضت تلقي بالأحكام وتزيل ما بناه أعظم الرجال، وأكثر الحضارات تقدما بالعلوم والإيمان.
روح وريحان وعبير وعنبر
مسك وصندل وياسمين وفل
روائح النسيان في أزمنة وأروقة التاريخ الماضي.
بلاستيك، وبترول، وبنزين وغاز
آيفون، وغاز مسيل، ومجاري، وعفنة الأموات
هي ما بقي من روائح ستعلق في ذاكرة هذه الأجيال التي لم تعد تعرف ولا تتذكر حتى ملمس الحرير الأصلي، ولا رائحة الورد المديني، ولا الاحتكاك الطبيعي مع ورق البردي ولا ورق الشجر الطبيعي.
الغابات أزيلت لأغراض صناعية، والبيئة تدمرت من الانبعاثات السامة من أجل بناء ثروات فوق ثروات في أرصدة الشركات العالمية.
فإن القاضي ضغط على الزر الآن لرحم العباد من محو ذاكرة أمة كانت بالأمس شجرة قوية كشجرة السنديان والأرز والنخيل، ثمارها تغذي وتنفع مهما اختلفنا في أهمية وجودها وانبساق أغصانها، وتظليلها للفقير واليائس الذي أصبح في القرن الواحد والعشرين محروم حتى من رائحة الزهور.
ذاكرة أُمَّةٍ ستخزن في كبسولة فضائية وتنطلق نحو مسارها الطبيعي إلى سماء لا تعرف بعد الإنسان وصناعاته المدمرة.
موت الرحمة هو ذاكرة أمة إذا أرادوا تدميرها، فليكونا رحماء في تدميرها.
أربع لن ينالوا منها:
ثلاث مساجد بنيت على التقوى، وضمير قوي أمين سيصنع من ذاكرة الأمم مستقبلا زَاهِرًا وأمناً للأجيال القادمة.
فالإنسان ذكرى، والتاريخ ذاكرة، وإلا لما انتشرت الحروب من أجل عظماء ماتوا منذ قرون، ولو عاشوا لاستنكروا ما بقي في ذاكرة التاريخ منهم، وتظاهروا واعتصموا على ما دمرته الأجيال بعدهم باسمهم واختزلوا العبر والسير في كلمات أصبحت مقصلة تذبح في معابدها فكْرٌ وَقِيَمٌ.
*كاتبة سعودية
You tube: http://goo.gl/e8tpD
PrincessBasmah @
خاص بموقع سمو الأميرة بسمة
نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية
No comments:
Post a Comment