"من مقالات سمو الأميرة نشرت بتاريخ" الاثنين 26 يناير 2009
المـــرأة والحـــريـــة
*بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز آل سعود
©جميع حقوق التأليف و النشر محفوظة للأميرة بسمة
أرادَ اللهُ سبحانَه وتعالى لنا كمسلمين أن نكونَ أمةً وسطاً ، هذه الوسطيةُ في جوهرِها تكليفٌ وأمانةٌ يصعبُ حملُها والحفاظُ عليها ، والنتيجةُ بقراءةٍ مبسطةٍ لواقعِ حالِنا في سائرِ البلدانِ الإسلاميةِ أننا أضعنا هذه الوسطيةَ ولم يعُدْ منها إلَّا ترديدٌ لفظيٌ في خُطَبِ الجمعةِ أو على ألسنةِ بعضِ الدعاةِ في البرامجِ الدينيةِ ، فَمِنَّا مَنْ مالَ أقصى اليمين أو من تجاذُبُهُ أقصى اليسار، وعندما يكونُ الحديثُ عن المرأةِ والحريةِ لا تسمعُ إلا أصواتا متشنجةً تدعو إلى الغلظةِ ورفضِ كلِّ ما يمكنُ أن يُقرِنَ المرأةَ بالحريةِ ، أو أنَّكَ تسمعُ منْ يتشدقون بالحريةِ الغربيةِ وما تتمتعُ به المرأةُ الغربيةُ من مساواةٍ وقوانينَ، ناسينَ متناسينَ التقاريرَ المخيفةَ عن وضعِ المرأةِ في الغربِ .
لنأتِ إذنْ إلى كلمةٍ سواء ، فالواضحُ للعيانِ أن المرأةَ تقبعُ تحتَ معاناةِ ووطأةِ أعراف لم ينزلِ اللهُ بها منْ سلطانٍ ولم يقرها ولاةُ الأمرِ – حفظهُم اللهُ - ولكنْ هناكَ فئةٌ ممن عطَّلوا بعضَ النصوصِ القطعيةِ الدلالةِ في شأنِ حقوقِ المرأةِ وأحلَّوا محلَّها اجتهاداتُهم التي ألزموا بها المجتمعَ ، ونصَّبُوا أنفسَهم حاجزًا بين الإسلامِ وأهلِه ، ووضعوها في إطارِ : «ما أُريْكم إلَّا ما أرى» لكنّ تلك الفتاوى واستخدامَ هذا البعض لبابِ تشريعٍ جديدٍ هو بابُ «سدِّ الذرائعِ» الذي جعلوه مِقصلَةً لحقوقِ المرأةِ هو ما جعلَ الحديثَ الدائمَ عن المرأةِ أنها امرأةٌ مُنْتَهَكَةٌ وبلا حريةٍ ، فمِنْ حقِّ المرأةِ أنْ تستمتِعَ بحياتِها ضمنَ ما أحلَّه اللهُ لها وحقوقٌ أقرتَّها الشريعةُ لها ، وأن تكونَ هناكَ ضوابطُ وقِيَمٌ للحريةِ وذاكَ منْ خِلالِ مبادئِنا وقيمِنا الإسلاميةِ ، فأحبُّ النساءِ إلى الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كانتْ فاطمة الزهراء رضي اللهُ عنها ، وكانتْ ذريتُه من البناتِ ، فكان يُعزهنَّ ويُوصي بهنَّ:» رفقاً بالقوارير»، والرفقُ هنا لأنهنَّ «ضعفاءُ» ضعفاءُ بماذا ، بالإيمانِ ؟!
لا وربي، ضعفاءُ بالبدنِ .. نعمْ، أضعفُ من الرجالِ بقوةِ الجسدِ . . نعم ، ولكنَّه فسَّر صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ضعفَ النساءِ بأنَّ في قلوبِهِنَّ رقةً ورحمةً ، فالضعفُ هنا ليسَ انتقاصاً منْ شأنِهِنَّ أو استصغاراً لهنَّ ، وعندما نطالبُ بالحرياتِ نطالبُ بالحريةِ التي أعطاها اللهُ جلَّ وعلا للمرأةِ ، وبالرُخَصِ التي سنَّها الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، وما أكثَرَها .
الحريةُ الشخصيةُ ليستْ في قيادةِ السيارةِ أو السفرِ بدونِ محرمٍ ، أو مخالطةِ الرجالِ ونزولِ المقاهي ولبسِ الجينز ، فهذه ليستْ الحريةَ الشخصيةَ، ولا تُقَيَّدُ بذلك ، نعمْ منْ حقوقِ المرأةِ والإنسانِ بصفةٍ عامةٍ السفرَ ، وأدعو اللهَ أن يظْفَرَ المعنيون بسنِّ الأنظمةِ بالنظرِ في إصلاحِ النظمِ واللوائحِ التشريعيةِ بما حفظهُ اللهُ سبحانَه لنا منْ حقوقٍ وبما سنَّه رسولُه الكريمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، فلنا في أمهاتِ المؤمنين أسوةٌ حسنةٌ ، فإنْ كنَّ يركبْنَ الجمالَ والخيلَ ويرفعنَ السيفَ ويطبِّبْنَ المرضى ويخزنَ الطعامَ وينصحنَ الأمةَ ويُقِمْنَ مجالسَ العلمِ والذكرِ للرجالِ والنساءِ ويتاجِرْنَ ويحارِبْنَ مثلَ كثيرٍ من أمهاتِ المؤمنين والصحابياتِ فلماذا نحجُبُ هذا كلَّه عنْ نسائِنا وهذا الحجْبُ هو ما يسبِّبُ انشغالَهُنَّ بأنفسِهِنَ ويصرفْنَ الوقتَ والجهدَ والمالَ في تغييرِ خلقةِ اللهِ للسطحيةِ والماديةِ ورغدِ الحياةِ ، والآن وقد توفَّرَ لنا المالُ والتكنولوجيا أصبحَ لدينا تشابكٌ بالمعلوماتِ واختلطتْ الأمورُ على المرأةِ – كما الرجلِ- لأننا حجبْنَا عنهُنَّ ومنعناهُنَّ منْ أخذِ المكانةِ اللائقةِ بهِنَّ والقيامِ بدورهِنَّ في المجتمعِ ، وهو ما كفِلَهُ لهُنَّ الإسلامُ منْ دورٍ في تنميةِ المجتمعِ فكنَّ في صدرِ الإسلامِ يشتغلنَ بالنصحِ والعملِ وإعدادِ الأجيالِ والعملِ في كلِّ مناحي الحياةِ، والتاريخُ مليءٌ بقَصَصِهِنَّ ، فلنرْجِعْ جميعاً رجالاً ونساءً إلى سيرةِ السلفِ الصالحِ منْ نساءِ المؤمنين وأمهاتِهِمْ لأنهُنَّ كنَّ يعايشْنَ الرسولَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فاكتسبْنَ منهُ ما أوحيَ إليه.
*كاتبة سعودية
PrincessBasmah @
خاص بموقع سمو الأميرة بسمة
نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية