Monday, 28 April 2014

خمسون عاما على الكرة الأرضية

"الإثنين، 28 أبريل، 2012"

خمسون عاما على الكرة الأرضية

بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز آل سعود*
©جميع حقوق التأليف و النشر محفوظة للأميرة بسمة
أطفأت شمعاتي وأولادي حولي، ثم أنرت الحجرة بخمسين لمبة، تفحصت الحجرة فلم أجد إلا حَجرة في آخر الحُجرة، وكأنها تقول لي هذا انجازك ، حَجرة صلبة في عالم تحجرت فيه قلوب البشر وأصبحت ترى الآخر كحجر وليس كإنسان.
فتساءلت بيني وبين نفسي: أين الدرر؟ أين الألماس؟ أين الياقوت والزمرد؟ هل كل الأحجار النفيسة أصبحت من الماضي؟ هل ذهب الإنسان في رحلة النسيان؟ ولم يبقى إلا أشباه نساء وأشباه رجال، تقتات على القات وترقص على قرع طبول الحروب والتمرد والعصيان.
خمسون عاما هي رحلتي في غابة الأرض، بدأتها في ربوع الأرز ومررت خلالها على كل بقاع الأرض.
ماذا وجدت في رحلتي؟ وجدت عثرات وانكسارات ولكني لم انبطح، وجدت من حاربني بكل الأسلحة المعروفة من خلال التقنية العصرية وأسلحة الدمار الأخلاقية الشاملة، ولم أنكسر!
وجدت انتصارات وفكر ومجتمعات تعقل ما تصنع، وما تخطط للمستقبل، وجدت شعوبا تنتظر نحر قادتها حالما تسنح الفرصة، وجدت ولادة خمسة أرواح، أناروا لي حياتي بعد جهاد في كل الميادين.
وجدت جماعات سوية تعيش تحت الأراضي المعروفة للبشرية، وجدت آهات لا تجرؤ حتى على التنفس الطبيعي، وجدت عوالم ترقص على جثث بشر نسوا حتى كلمة أخلاق وسير.
رأيت بأم عيني انتحار قيم وشهدت على مجازر أطفال رضع ونساء، ورجال شيب.
في طفولتي كنت دائما أراقب سماء الدنيا، وأرى شهبا ترمي الشياطين في كل بقعة من أرض أصبحت رمادا وانحدار قيم. أما في شبابي فكانت السماء تعلن أن الشياطين انحسروا، وبدأ إعداد شياطين الإنس إعدادا متميزا. كنت أخاف على أولادي حتى من همسة ونسمة هواء، لأني كنت متأكدة أنه حتى الهواء أصبح ملوثا.
حاولت مرارا وتكرارا أن أصبح مثل الجميع راضية بما يعطى لي من غذاء، ومال، ولكني كنت أشعر دائما بأنني أستجدي قوتي وكفاف يومي وهو حقي.
اليوم خلعت القناع الأبدي الذي ألبسوني إياه بأنني لست ثائرة بل أثيرة النعرات، أريد الجميع أن ينظروا في عيني ويقرأوا سطورا وأساطير وحكايات، هل سأكون مقصلة الآخرين، أم سأذبح على مقصلة التاريخ؟ هل سأصل إلى بر الأمان؟ ويصل من معي إلى عالم مختلف: جدرانه أربع وسقفه صلب، وقاعدته أخلاقيات لطالما تمنيتها لشعب وطني والعالم العربي.
لطالما كتبت معظم مقالاتي وأنا على متن رحلة أرضية، أو فضائية، ولكني أكتب دائما ضد الجاذبية.
قلمي أسطر به جروحي، وكلماتي تدمي من عروقي، وحروفي تبكي على شعوب باتت شهيدة وقصص ضاعت بين الفصول.
أتحاور مع نفسي وأنظر إلى ربي، وأرفع يدي، وأقول يا مَن خلقت الإنسان وكان ظلوما، أعني على رفع الظلم عن الشعوب.
هل هذه دعوة جائرة، أم هي دعوة حائرة، أم دعوة سأحاسب عليها يوم نزولي قبري؟ أجرم هو أن نضع حلولا لإيقاف نحر الشعوب؟ أم خطيئة ارتكبتها عندما بدأت أفكر كيف أنقذ شعبا من قبضة الفقر والعوز وبراثن الفساد الذي أصبح طبقات من العفن، رائحته أصبحت أشد فتكا من صحراء النفود.
ما هي جريمتي أيها العالم المتحضر؟، "مسار قانون رابع"؟، أهذا ما يخيف رجال شيب؟، وعوالم أصبحت تدفن الطلب، وتمديد الانكسار إلى قوات أصبحت لا تطالب فقط بالنفط، بل بالأعراض والنسب، وما تبقى من أراضٍ لم تشبك.
خمسون عاما كانت كافية أن أكتب ليس قانونا، بل خمسين قانونا لكي يواكب تطور العالم الذي أصبح ينتج التقنية كما ينتج الخباز خبز الكفاية للعامة.
تقنيات نتسابق لشرائها ونسينا أن التقنية هي في أخلاقنا وتراثنا الذي أضعناه مثلما ضاع موسى عليه السلام وأهله.
فلم نعد نعرف ما هي ثقافتنا وأين ذهبت وهل ستعود.
لذا المسار هو سفينة النجاح والنجاة لمن لديه لب وعقل لما هو قادم لا محالة، ولكن تأبى العقول أن تفكر والأبصار خاشعة، إن هذا القانون سيكون حجرا ثم صخرة ثم جبلا لإرساء ما يجب علينا أن نقدمه للأجيال القادمة.
الأوضاع العالمية ليست وليدة اليوم ولا نتيجة سياسات عقيمة بل نتيجة تخطيط وتدبير لا يراه إلا كل ذي عقل ودراية.
سأفتح نافذة العلم وأريكم ما يجري في العالم الخارجي ليكون عبرة لمن يعتبر اليوم، فسيأسف غدا على ما تركه من علم وتدبير.
تتقاتل الشعوب اليوم على من سيربح المعركة القادمة، قطبان: وكل قطب ينادي هل من معين.
حرب عالمية ثالثة تلوح في الأفق القريب، هل سنختار سفينة نوح، ونجتاز الصعاب داخل قانون أعد لكي يكون غواصة النجاة لوطن الأجداد، وطالما ناديت بأعلى صوتي مليكي وأسرتي، هي من سيكون أول حاضن لما هو سينجي الوطن والشعب من الغرق في محيط القطبين.
الوطن هو ليس مسقط رأسي فقط، بل هو دار من لا دار له، وملك الله في أرض خلقت لسائر البشر ولم تعطى هبة لأي أحد، لذا يجب أن نعمرها أيها الشعب لأنها أمانة من إله وليس من ذوي نسب، الأمانة يجب ان تسلم بالرغم من كل الصعاب فبوجود رب لا يموت لا يوجد كلمة لن يكون.
 خمسون عاما مضت وأنا أقول يجب ان نختار ما هو واجب أن يكون وفاءً لشعب وحده صقر الجزيرة وأسس بنيانه سعود.
احتفلت بيوبيلي الذهبي مع ملك معدنه من ذهب وأدعو الله أن يصله صوتي لأن عهده يجب أن يكون مساره مختلفا لأن الزمان اختلف عن عهد الجدود.
أنادي من وراء البحور، أسرة أسرتني بوفائها لشعبها، وأن يكون مسار القانون الرابع هو هدية ملك لشعبه قبل رحيلنا جميعا عن هذه الأرض لنرجع إلى خالق الخلق وصفحتنا بيضاء أمام الله ثم الأمانة والعهد الذي ترك من الآباء والأجداد.
مسار جديد لشعب أرهقته تجاذبات الأقطاب ، مسار يخالف جاذبية الحروب والدمار.
مسار يعطي ولا يأخذ، قانون هو رسالتي وهدفي في رحلتي قبل رحيلي، لأني لا اريد أن أتركه لمن سيغيره حسب مذاقه العالمي .
خمسون عاما على الكرة الأرضية علمتني أن الله هو فقط المتحكم، إن أخلصنا النية فستخدمنا إلى أن تصل المنية.
لذا سأمضي فيه رحلتي العالمية، وقلبي في بلادي التي أنجبت شعبا يستحق أن يكون معززا مكرما.
خمسون عاما ما هي إلا بداية رحلة عودة.
فقط يدا من حديد ستنقذ العالم من السقوط في هاوية الصديد، فقط مسار قانون رابع قادر على اجتياز المرحلة والنهوض بالأمة إلى مرحلة ما بعد السبات العميق في شتاء قارص جرد أشجارنا من أوراقا في جنات النعيم.
أتطلع من نافذة الطائرة وأرى البرق من بعيد ينير الطريق .
فقلت لنفسي: أهذا نذير؟ أم إشارة من رب رحيم بأن أمضي في طريقي حاملة شعلة "المسار" للأجيال، والسيف بيدي يقطع ما يعترض الطريق؟
ليس الصعب هو المستحيل، بل المستحيل هو أن نخضع لما هو صعب الآن
وسيكون نهرا وصدقة جارية للأجيال القادمة.
*كاتبة سعودية
You tube:  http://goo.gl/e8tpD 
PrincessBasmah @
BasmahPrincess
@

خاص بموقع سمو الأميرة بسمة http://basmahbintsaud.com/arabic/
 نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية


No comments:

Post a Comment