Saturday, 17 December 2011

الآمال، الإعلام، والأحلام


" 650 مليار لبناء الإنسان"، هكذا عنونت عكاظ، الميزانية القادمة مع تقديم باقة من أربعة ورود ربيعية لمشاكلنا التقليدية في مجلسنا الوزاري الذي استقبل أربعة وزراء جدد بأسماء خُيل لي أنني أعرفها منذ زمن بعيد، ولم يكن في الاعتبار بأي حال دخول عناصر جديدة ، وضخ دماء نقية لمجلسنا الوزاري الذي بات يئن الأسماء الرنانة عبر عقود من الزمن تابعا للأقرباء والمعروفين بالإخلاص المطلق "لحد عدم التغيير ولا التعبير" حتى لا يؤثر على العلاقات الحساسة ما بين القائد والرئيس، والمرئوس والتابع لأن بكل بساطة لا أحد يجرؤ أن يقول الحقيقة، ولا على قطع الرقبة، لأنها ستكون نهايته الحزينة والطرد من القبيلة والعشيرة التي آوته، ثم غذته، ثم أطعمته تمرا وعسلا وماء عذبا من الآبار المحلية، وهيأت له المقعد الوثير الذي ينتظر كل وزير حتى يغرق في البلايين، ولا يعد يشعر بالمساكين الذين يدورون السبع دورات الشمسية والدورة القمرية اليومية حتى يحصلوا ولو على ارتفاع بسيط في الأجور المتدنية التي بات المواطن لا يجرؤ أن يطالب بها، ولا حتى على بدل سكن ولا دواء ولا شفاء من الأمراض المستعصية التي أصبحت مستوطنة ، ولا أن يحارب فساد الذين لديهم الكفاف الذي أصبح هو العملة المتداولة في مجتمعنا الذي لم يعد يراه من فوق المفكرين والمثقفين الذين

-وبقدرة قادر- أصبحوا مع القادة والوزراء متفقين بالآراء، وأصبحوا حماة للوطن بقدرة واحد أحد، وأصبحوا يتكلمون لغة القادة والوزراء، لربما وعدوا بمناصب أصبحت هدية لكل من يناصر القضية، وقدمت لهم الأطباق الشهية فهي أصبحت الوسيلة الوحيدة واللغة المفهومة الجلية لشراء العقول وبيع المناصب والمركز الأول يصبح للمطيع ، فيغير ألوان مجلسه ونبرة صوته ولغة أحرف قلمه ليدخل ضمن ما نسميه اللعبة الديمقراطية لتصبح البيروقراطية شروطه، فمن النادر الآن أن تجد ما كنا نسميه بالذي لا يشترى ولا يباع، فإنه أصبح عملة نادرة لا توجد في أسواقنا المحلية، ولا في مجالسنا المسائية، ولا في قراراتنا الفجائية، وإعلاناتنا البلدية، التي باتت سلعة تعطى وتؤخذ حسب الأهواء العالمية، وسوق الأسهم المحلية فشغلونا بالمسميات، ونسينا الأصل في التركيبة الوزارية أنه يجب أن يكون الوزير لديه القدرة لتقرير مصير ملايين النفوس، وقادر أن يتعامل مع البلايين، من غير أن يصبح هو الآخر من الفاسدين، وأن يعالج مشاكل البناء والتأسيس، لأنه للأسف لابد من إعادة البناء، في كل وزاراتنا المحلية، كما أشار مليكنا، التركيز على بناء الإنسان، وهذا ما كتبت عنه منذ أزمنة بعيدة، وفي كل مقالاتي العديدة التي سلطت فيها الأضواء على الإنسان، وليس المكان فقط، فبالمقارنة مع الكميات الموجودة  من المباني والأجهزة الجديدة، لا نرى القدرة على التعامل معها من قبل الفئات والقدرات البشرية لأنها للأسف تفتقر للقدرات المحلية، ولا تملك الشجاعة الأدبية بالاعتراف أنه لا يوجد لدينا الثقافة العالمية للتعامل مع كل التقنيات الحديثة، فمعظم المبتعثين لا يعودون بشهادات علمية قادرة على تشغيل وتحديث أنظمتنا البدائية ، بل يبتعثون لدراسة كل المهارات السطحية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وعند احتياجنا إلى من يدربنا على استخدام التقنية والأسلحة نلجأ إلى الأيادي الغربية، وكأننا بكل بلايننا عبر كل الأزمنة السابقة والحالية لم نقدر حتى على تشغيل أسلحتنا في معسكرات جيشنا الباسل، أو برامج ساهر التي أصبحت شغلنا الشاغل، وهكذا يطل علينا عام آخر مصنوع من بلايين المنشتات الإعلامية والزهور ذات الرائحة النقية لتملأ عقولنا بأحلام وردية لسنة أخرى من البيروقراطية والعقول النائمة المنسية. في عالم أصبح لغته العنف وألوانه حمراء داكنة، وأجندته واضحة للعيان، وهو التغيير لمصلحة الإنسان، وليس لذوي المناصب الرنانة، التي احتلت باسم الوطنية لعقود وأزمنة لم تعد واقعية مناصب عالية، لأن اللغة الآن اختلفت والأجندات وضعت والقدرة الإلهية فصلت، ولم يعد ينقصنا الآن إلا الاتكال وراحة البال للأجيال المقبلة، التي تراقب وتنتظر منا الكثير حتى يصبح أمة قادرة على تشغيل العقول، ورفض كل ما هو غريب وليس مقبولا من أرقام فلكية لا تمت للواقع بصلة إلا في التفاصيل الرياضية ، للقناة الأولى والثانية والجرائد المحلية، أما المراقب العارف بالأمور التفصيلية ، فمتأكد من أنه لن يكون هناك أي تغيير جذري وواقعي لمشاكلنا الرئيسية من إسكان ورواتب متدنية لكل الفئات والوظائف الحكومية واللاحكومية، فاللغة هي ذاتها والنبرة واحدة، وللأسف الأمور تسير للأسوأ، ولا يصل الصوت إلى الأعلى، وتبقى الأمور كما تريدها الصقور المحلية، والنسور الغربية، من متابعة بث الأفلام الهوليودية لغسل عقولنا التي أصبحت بيضاء اللون من كثرة غسيلها وبرمجتها على قنوات الام بي سي التي لم تترك لغة إلا واستعملتها لتقضي على ما تبقى لنا من همسات أخلاقية.

همسة الأسبوع

لم تعد القنوات الإعلامية مجرد وسيلة ترفيهية بل أجندات تنفيذية للحروب المستقبلية والجلوس على الكراسي التنفيذية.

*كاتبة سعودية

2 comments: