الحياة دورة موسمية، تبدأ بالولادة الربيعية وتنتهي في المواسم الشتوية، في كل موسم تتقلب المناصب ونتبادل الأدوار، تارة تشريعية وتارة تنفيذية، ففي الطفولة نكون ضمن الدائرة التنفيذية، وفي الكهولة نصبح ضمن الدائرة التشريعية، لذا وجب علينا أن نعلم ونتقبل حياتنا ضمن هذه الدائرة الدنيوية، ونستغلها لتفعيل أدوارنا ضمن مسيرتنا الحياتية.
فالعرب كما عرفوا في الكتب التاريخية، والآيات القرآنية، حضارة لا تعترف بالأدوار والمناصب، بل بالأسماء والحوافز، لا يوجد لدينا فهم عميق لأدوارنا وواجباتنا، بل نتسرع في قراراتنا، ولا نتحمل نتيجة زلاتنا، ونسأل دائما، لماذا أصبحنا متكلين، محبطين، وحالما يقال لنا لا مصير ولا نتيجة نستكين ونلقي بأسلحتنا ونقول هل من معين؟
كل يلهث وراء منصب، كل يبحث عن دور يلعبه ضمن لعبة المصير، لعبة تحاكي قرننا الحالي الذي يتسم باللعب على لهيب نار، والتسابق على التسليح، فالتسليح في دفاتري ينقسم إلى أجزاء وبنود.
منها: التسلح بالعلوم والمعرفة والفنون، ومنها: التسلح بمفاتيح الأسماء والنفوذ، والآخر وليس الأخير وهو الأخطر: اتخاذ الدين كنوع من تجارة ذات شجون، واللعب على تقليب المفاهيم والاعتقادات، والمذاهب لتقسيم وتفريق الشعوب الإسلامية والعربية، والحلول هي في التسلح بالأخلاقيات المحمدية، وكيف نلعب أدوارنا ونستغل مناصبنا لخدمة الأوطان العربية.
كيف لنا أن نكسب قضية، وانتماءاتنا شتى، ونسير على هوى الحسابات البنكية، والأرقام الوهمية، والمناصب العلوية، أصبحت المادة هي الأهم في حواراتنا المذهبية، ونقاشاتنا الدينية، وحتى أطفالنا أصبحوا يفهمون ويساومون على مصروفاتهم الشهرية، ومكاسبهم الدنيوية، ليطغى حب المال والجاه على كل الأخلاقيات المحمدية.
قراءتنا للسنن النبوية أصبحت دراسة منهجية في مناهجنا الإسلامية، أصبحت مقررات تدرس لنضعها على أرفف مكتباتنا العصرية المليئة بالأخبار والألعاب الالكترونية والأفلام الأمريكية.
ألوان غرفنا أصبحت طيفًا من الموضات العالمية، وتخلينا عن ألواننا الإسلامية، فانتبذنا ركنا غربيا وحزنا على ضياع فنوننا المنسية وتراث أجدادنا ذوي الأصول العربية.
احترنا وحيرونا ما بين الاختيار أن تكون المرأة عصرية وأن تكون مسلمة أبية، بل يريدون أن يجزئوا دور المرأة ويستحدثوا لها وزارة فردية، ألم يكن المجتمع كله خلقة ربانية، مجتمع كامل مؤلف ومرسوم من الرب المعبود من ذكور وإناث وكل مكمل للآخر في أدواره المعنية، فالذين يطالبون بجعل المرأة كائنًا له وزارة خاصة يقولون ويسطرون عزل المرأة عن الشأن العام، لتصبح أداة خارج النظام، فالحلول موجودة من غير تقسيم ولا تجزئة عنصرية، لماذا لا تستحدث داخل كل وزارة قسم يتعامل مع المرأة وتتكون أعضاؤه من المرأة نفسها حتى تكون أنظومة داخل أنظومة وتقضي حوائجها بيسر وانسيابية، فهل الأمور في الوزارات انسيابية للذكور حتى نطلب إنشاء وزارة للمرأة، تتقلد المناصب وتصرف الأموال لإنشاء وزارة لن يكون لها مفعول إلا تعقيد الأمور وصرف الأموال من غير جدوى، ولا نتائج إلا لذوات الأرباح الشخصية، ففي نظري المحدود فالأدوار والمناصب لم تعد تحتاج إلى استحداث جديد لأن الدائرة مزدحمة بالمناصب والأدوار موزعة بالكامل، تكريم المرأة يكون بأن نجعل لها قسما في كل الوزارات ترأسها امرأة للتنسيق مع الجهة المعنية وبها تكون فعالة في كل الوزارات، فنحن نحتاج للتسهيل وليس لتعقيد الأمور التي هي بالأصل شبكة عنكبوتية كل يسعى لدور ومنصب في هذا الوطن واكتفينا بالأسماء، ونسينا التفعيل والأهداف، واتجهنا للكميات ونسينا النوعيات، فما فائدة جهاز مليء بالأسماء والمناصب من غير دور واضح وأفعال على أرض الواقع، نحتاج في واقعنا الحياتي لمن يقدم ويعطي وليس لمن يأخذ وينأى بالجانب الشرقي، نحتاج للفتاة الفعالة المنفذة التي تأخذ من المنصب واجبا وطنيا وتلعب دورها بإيجابية وتفعيل حسي. وفي نفس السياق نجد من يحاربون المرأة أن تتبوأ مقعدها الذي أعطاه لها الله سبحانه وتعالى جزءًا من التكوين الإنساني للحياة، الذي لن يوقفه أحد ولن يقف بوجهه أحد، لأنه مرسوم الهي وليس بشري، وكل من ينادي بتوظيف المرأة في الموضع اللائق بها الذي يحفظ لها كرامتها، فهو يسير على نهج النبي الأمي صل الله عليه وسلم الذي أودع السيدة عائشة رضى الله عنها أمانة تعليم الأمة، فقد قرأت مقالا للدكتور عبدالله دحلان بالزميلة الوطن بتاريخ 10/10/2010 بعد استلامه نسخة من منشور الإدانة الذي تداولته شريحة كبيرة من المثقفين ورجال الأعمال، واصفا إياه الدكتور دحلان الموقع والناقل لهذا المنشور بقوله “الداعي لي بالخير إبراهيم بن توفيق البخاري عضو الجمعية الفقهية السعودية”، وينص المنشور المرفق بخطابه بيان من الشيخ عبدالمحسن بن حمد العباد البدر الذي يعنون البيان بـ (الغرفة التجارية الصناعية في جدة رائدة الغرف التجارية في انفلات النساء). على خبر مقتضاه أن الدكتور الدحلان لم يجد حرجا في تعيين المرأة في منصب أمين عام غرفة جدة، خاصة مع عدم وجود في نظام الغرف التجارية ما يمنع ترشحها، وقد قابله الخبر بتصريح وتسريب منشات من عبدالمحسن بن حمد العباد البدر (حسب الاسم المذيل للمنشور) أن فسح المجال لها أن تتبوأ مقعدها بهذه الغرف معناه أن تكون المرأة قد أصبحت سافرة متبرجة، تختلط بمن شاءت، وتذهب حيث شاءت، وتسافر كيف شاءت، وتشارك الرجال جنبًا إلى جنب في مختلف اللقاءات والاجتماعات في الغرف التجارية وغيرها، والمرأة المسلمة في هذه البلاد لها أن تعمل في التجارة دون اختلاط بالرجال، وتقوم بتوكيل من شاءت من الرجال في مباشرة أعمال تجارتها، وتحذر تقليد غيرها من النساء اللاتي انفلتن في البلاد الأخرى، وكل جديد فيه مخالفة للشرع يُنذر وقوعه بخطر شديد، ومن ذلك ما حصل من بعض الغرف التجارية من إشراك بعض النساء في مجالسها تقليدًا للغربيين والمستغربين في البلاد الأخرى، فإن الواجب منعه ومحاسبة من أقدم عليه وكذا من يُقدم على غيره مما يماثله).
وهنا أتساءل ما هو الأشرف لنسائنا: أن تضطر المرأة السعودية لأن تعمل كمعلمة وممرضة بل وخادمة في الدول المجاورة، وأن تستغل في غير مجتمعها بهدر كرامتها، وأن تختلط في البيوت والمؤسسات بعواقب غير محمودة، ودون تعليق من مناداة صون المرأة ووقارها في بيتها، أليس من الإنصاف أن تكسب قوتها بكرامة وتشغل وظيفة محترمة في وطنها ومجتمعها وتحت أنظار أهلها ومحارمها لتخدم وطنها بعز وكرامة؟ أم نتركها عرضة لمساوئ الدهر لمجرد أن البلاد المجاورة لا تمنع عمل المرأة ولا تضع له قيودا كما نفعل؟
فالكل يلهث ويتسابق مع الزمن لا لوضع بصمة تذكر ولا لإنجاز يذكر بل لملء الجيوب والقفز على المحظور والظهور، فأصبحت ثقافة التباعد والتنافر منهجا، والتقريب والحوافز واحترام النفس أصبح سلوكا منحرفا، هل نسينا أن لكل دورة نهاية ولكل عجلة بداية ولكل إنسان حكاية.
أدوار ومناصب، كل متقلدها ولكن أين الواجب ومنفذها؟ حياة أبدية، هل هذه هي بصيرتنا وعقيدتنا الدنيوية، إنها لم تدم للمخلوقات الأرضية ولا حتى للرسل، هل عمينا وحجبت عنا أدوارنا الإنسانية، من تكافل ورحمة اجتماعية، ومسؤوليات ذات أهداف كونية.
مجتمع يئن بالمشاكل والضربات الغربية، من إعادة تشكيل بنيتنا الأساسية والتحتية، فهل من محارب ومجاهد لإيجاد الحلول الوسطية التي كان منهاجا في الأزمنة الماضية وطريقا انتهجوه في حياتهم اليومية.
فقد أصبحنا كقطيع ينقاد وراء كل الجهات والأقطاب الرباعية، والخطوط الاستوائية، فأضعنا مناصبنا وأدوارنا وراء الهويات والمنهجيات الضبابية، كيف نبني أساسات على أرضيات هشة لا تنفع الزرع والزارع في المواسم الحصادية، ولا تؤدي دورها في ربوع أشرف الرسالات الإلهية.
كل يوم تطالعنا الصحف بالفضائح المدوية عن مشاكل لم تكن في حساباتنا المصرفية، ولا من تطلعاتنا الإنسانية، فتارة نصب واحتيال وتارة فيضانات وانهيار، وتارة أوبئة واعتذار، وفي كل الأحيان حكايات لم تكن على البال.
معالجة الجرح لا تكون بالتسكين بل بالمداواة والكي والتفعيل، جرح ينزف بها شرايين الأمة، لا بد له من حلول جذرية، وفورية فجسمنا واحد ولكن قلوبنا شتى، ولن تستقيم الأمور ما دامت المناصب هي الفكرة الأصلية، وليس لعبها وتنفيذ مسؤولياتها هي الأهداف المرجوة.
انسيابية في تدفق الطاقات الايجابية لدرء مفاسد الانبعاثات السامة البيئية من تحول مجتمع اتسم بالاعتدال والوسطية والمصداقية والنزاهة والشفافية، إلى مجتمع يتكالب على المناصب والأدوار العلوية، ولم يخل جهاز من هذه الأوبئة المستعصية، ولم يخل منبر من التنافس على الكلمات والعبر والخطب غير المجدية وأصبحنا ممن لا قلوب لهم وأبصارهم معمية عما هو أساسي من أحاديث محمدية وأهمها: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»،وليس كما نراه من عبادات فيزيائية لا تخلو من كونها أصبحت عادات لا تدبر ومنهاج نزاوله في حياتنا اليومية.
همسة الأسبوع
هل خلت القرون من الرسالات الإلهية والعبادات حتى في أزمنة الجاهلية والوثنية؟ فالمطلوب تفعيل العبادة بالعمل، فاعملوا فإن الله سيرى أعمالكم، ونحن مسؤولون كمسلمين وحاملين اللواء المحمدي بأن نكون خير أمة أخرجت للناس ومثالا يحتذى، لأنفسنا حاضرا وللأجيال الآتية مستقبلا.
العزيز حسن
ReplyDeleteلماذا لا نجد في البدء اسس و قواعد نقتنع بها كاسس و حدودود لتنظيم حياتنا البوميه
"بمعنى اصح المبدا "
وانا اتمنى ان اسمع رأي أميرتنا في هذا الحوار الشيق
ReplyDeleteتحية لكم ..
ReplyDeleteالمقالة شخصت امراضنا المزمنة بوضوح وشفافية ..
الشكر لك عزيزيتي