سبحان الله، كما وجدت مطاعم للوجبات السريعة التحضير، فقد أوجدت للمسئولين ردود سريعة التحضير، فما أن نكتب عن موضوع ما إلا ويبادر المسئول بالنفي وسرعة الرد، وكأنما الطبخة طبخت ، وأعدت لخدمة قضية ما، أو لنقل لحالة ما، فأصبح لدى المسئولين من شتى القطاعات ردود سريعة لكل القضايا المعلقة والواقعية متوقعين أن الأمور لا زالت كما عهدناها في السابق ، بمجرد أن ينفي المسئول شبهة ما أو حدثاً ما أو حالة ما ، نسارع للتصديق ، ولم ينتبهوا أن الأمور تغيرت ، ولم نعد نصدق التصريحات التي تعمي العيون، وتصم الآذان، لأن الأمور بكل بساطة قد تغيرت، وأصبح المواطن أكثر دراية بالواقع لأنه يعايشه، ولكن المسئول وللأسف ، فإنه في عرشه العاجي، يعيش بين السحاب فوق غيمة تحجب عنه الرؤيا، وتبعده أكثر وأكثر عن الواقع الأليم الذي يعايشه المواطن، والزائر والمقيم، من تناقضات بين التصريحات الإعلامية، والحياة العملية، فلنستعرض بعضا من هذه التصريحات، والتناقضات على السريع كردودهم سريعة التحضير..
غرفة جدة التجارية، وبعض مسئوليها، ينفون بشدة تأثير ما يحدث في الساحة من قبل بعض الهيئات الحكومية على السياحة ومنشآتها بجدة، وهذا بالطبع لأنهم لا يزاولون العمل الميداني، ولم يسألوا أصحاب المنشآت عما حصل لهم من معاناة وخسائر مادية، وعزوف من الزبائن على ارتياد المقاهي والمطاعم لأنهم وبكل بساطة مشغولون بعدِّ الأموال أو تنظيم المهرجانات التي تدار وتنظم بشكل عشوائي، ونتائجها عبر السنين كارثة. فكيف يديرون أعمالا وينظمون مهرجانات ويخسرون أموالا، ويريدوننا أن نصدق ردودهم السريعة بإلقاء اللوم على هذه المشكلة أو تلك المعضلة، ويبدلون كل سنة أهواءهم ويفكرون ببدائل تجلب الخسارة لعدم معرفتهم بالأجواء الواقعية ، والأحوال الجوية، والتغيير الفكري للمواطن والزائر، فلا هم عاشوا الواقع ولا هم استطاعوا أن يبتكروا البدائل ، ويريدوننا أن نصدق ونستسلم لرؤيتهم الضبابية وأقوالهم الأرجوانية، وردودهم الاصطناعية.
لنخرج من السياحة والغرفة التجارية، ونذهب باتجاه آخر وهو الحالة الكهربائية، والمائية لمنطقة جدة التسونامية، فقد صرف الملك مليارات لإنشاء محطات توليد ، وتحلية لمياه البحر التي لا تنتهي، ومخزونها لا ينضب، فأين الخلل وأين الحلقة المفقودة، بالطبع لديهم الردود سريعة التحضير ، بأننا في صيف ذي حرارة شديدة تعطل المولدات، وأجهزة التحلية، أو لم يفكروا بحالة طقسنا عند إنشاء هذه المصانع، أم استوردوا أجهزة عفا عليها الزمن، أو مولدات تصلح للقطب الشمالي، وتحلية لمياه الأنهار؟
فالأموال تهدر ، وملاك مصانع الأغذية يقولون لا صوت لمن تنادي، وهيئة السياحة تقول لا دخل لنا، والطلاب يرسبون ، ولا من يبالي، فالحالة مزرية والدائرة تتسع لأكثر من مناد ولا من يلبي، فأحوالنا الاجتماعية ليست أفضل ، فأئمتنا الأفاضل يتنابزون بالألقاب ، وكل منهم يصيح بالفتاوى، وكأن البلد لا يوجد لها مفت ولا ولي أمر يرجعون إليه من قبل الإفتاء، أو الظهور في منابر الإعلام و يحثون الناس في الخطب على الامتثال لولي الأمر ، وهم أول الشاذين عن القاعدة، فكل يتكلم عبر المنابر بلغة شاعرية يحسبون أن لها تأثيراً على المشاعر، ولا يعرفون أن ثلاثة أرباع الأمة لا تفهم السجع من الكلام، وأنهم يخاطبون العامة في القرن الرابع عشر هجرية لا السابع من الهجرة النبوية، فنراهم ردودهم سريعة التحضير، وكأنهم قد أعدوا العدة وجهزوا الطبخة حتى قبل نضجها، فالكل يتنافس على ضم أكبر عدد من المؤيدين ، وتركوا الرجوع إلى ولي الأمر ليتحدث ويفتي بالأمر، ليكونوا أسوة وقدوة لنا، وليس العكس، فالناظر يرى أن هيئاتنا الدينية لا تتفق على أمر، فأصبحوا كالوجبات الجاهزة سريعة التحضير لا تهضم بسهولة وتسبب عسر هضم ، وأمراضاً مستعصية لا يوجد لها شفاء ولا أدوية.
أما حالتنا الاقتصادية فحدث ولا حرج، فالأسعار المحلية تغلي مع غليان الجو والمنشآت السياحية ترفع الأسعار وكأن المواطن يملك ما يريد أن يتخلص منه، من الأموال الزائدة فيعاونونه على إيجاد حلول سريعة التحضير، بترك التجار يلعبون في أسعار الفنادق، والتذاكر ، والمطاعم ، كل حسب ما يراه مناسباً لتخليص المواطن من عبئه الثقيل وهي الزيادة في الأموال، والكثرة في الخيارات ، فلم يعطوه بديلا ، بل ألزموه بارتفاع للأسعار، ليس معه خيار إلا الخضوع والاستسلام ، وإن سألتهم فردودهم سريعة التحضير ، وهي الأسعار عادية، ولا يوجد أسعار خيالية، ولكن مصدرها أوهام البعض نتيجة ارتفاع حرارة الطقس، ينفون القضية برمتها، بكلمة مفادها إما أن تصدقوا وإما نتهمكم بالجنون، والخروج عن الأعراف والتقاليد، فهل يعقل أيها المسئولون عن الرقاب والمحاسبون أمام رب العباد أن تردوا علينا بردود سريعة التحضير، بزمن لم يعد يوجد لهذه الوجبات من زبائن تستسيغها، وتهضمها، وأصبح لديكم رقيب، هو المليك، عبدالله، وولي عهده وسمو النائب الثاني، على من تسول له نفسه اللعب بمفردات لا تلئم الجروح ، ولا تمنع سيلان الدماء من عروق المواطنين التي جفت منابعها، وسالت دماؤها، وشتتت أهواؤها، ما بين محلل ومحرم، وناف وجازم ومطفف وعادل.
وهذه إلا بعض يسير من مشاكلنا التي يجب تيسيرها لا تعسيرها، أما الباقي فهي لائحة طويلة من المشاكل التي يجب أن توضع لها حلول واقعية، لا مجرد كلمات وهمية ، لإشباع حالة طارئة، ونثر الرماد فوق منطقة لإطفاء حريق شب في قاع بركان، فلا الرماد يستطيع أن يطفئ البركان، ولا الرد السريع يستطيع أن يحل مشكلة ، نريد حلولا مفعلة، نراها أمامنا لا إعلاميا، بل واقعاً ملموساً يعايشه المواطن كل يوم، وعلى شتى الطبقات ، وفي شتى المناطق ، لا أن تستثنى مناطق، أو طبقات عن الحلول ، ولا ينادى عبر المنابر بأمور ، ويخرجون عن طاعة ولي الأمر المنوط بحل هذه المعضلات فأصبحنا مثل أوراق الشجر تتناثر يمنة ويسرى عند هبوب رياح جنوب فتجتمع كومة ورق جاهزة للإحراق عند هبوب رياح الشمال العاتية.
نصدق من؟ نتبع من؟ أنا متأكدة أنه غدا سأعرف الإجابة سريعة التحضير ممن يملكون هذه الموهبة في الردود فورا، وسنعود للعبة التلاعب في الكلام، والخروج عن النص، فهكذا يريد مخرج الرواية، أن نصدق الحكاية، باسم القانون، والدين ، والمواطنة ، والعلم، ألم أقل لكم من البداية إنها أجوبة سريعة التحضير.
همسة الأسبوع:
يا زمان العجائب!
No comments:
Post a Comment