Friday, 30 July 2010

رحلة ألف ليلة وليلة


تستعد المنطقة بأسرها بالنزوح الجماعي إلى خارج البلاد لقضاء صيف بعيدا عن سخونة الطقس ولهيب الحالة السياسية ونار الفتاوى العصرية.
رحلة ألف ليلة وليلة، لماذا؟ لأن شعبنا المختار لا يقوم النهار بل يستيقظ مع مغرب الشمس، ليبدأ رحلة الأسحار من سهر الليالي في الملاهي الليلية، يتسابقون بحضور حفلات أشهر المغنين والمغنيات العرب، ثم ينامون بعد الفجر وطلوع شمس الضحى لينالوا قسطا من الراحة ليبدأوا لياليهم من جديد عند مغيب شمس أخرى.
فهل هذا مغيب الرسالة السماوية، وهو إسلامنا وتعاليم كتابنا المنسية. «وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا». ألم تكن هذه طبيعة البشرية. أصبحنا عبدة الليالي، وقصصا لألف ليلة وليلة نمضي بها الصيفية؟
فأصبح الليل معاشنا والنهار سباتنا، وتخلينا عن القيم الإسلامية من حب للثقافة والعلوم والفنون، هذا كان نهج الرسالة الكونية إلى حب السهر والنجوم، فأصبحنا لا نرى إلا عند الغروب، مخلوقات ليلية لا تمت للسفر والتعلم بصلة ولا قانون.
نسافر أشتاتا وجمعا ولكن أين الثقافة التي نعود بها، أين الحضارة التي ننشرها، أين التعاليم التي نمشي بها؟ أضعناها وضعنا في بحور الظلمات بين الملاهي الليلية والشهوات الجنسية التي حالما نركب الطائرة تحيى وترزق وتصبح من معالمنا وهويتنا العالمية.
ألهذه الحالة تشخيص؟ أم هي نتيجة حتمية لوضعنا في بلادنا الأبية ففي الداخل، وفي حياتنا اليومية نؤم المساجد ونركع مع الراكعين ونقوم الليل خاشعين ونهز رؤوسنا بالإيجاب والخنوع والخضوع لكل من ينادي بالدين وعدم الاختلاط وتفريق العائلات عن الشباب، وتحليل وتحريم كل حسب أهوائه وانتمائه وقناعاته الشخصية ضاربين بعرض الحائط السيرة النبوية وآيات الله المحكمات التي لا تحتمل التأويل ولا الفتاوى العصرية.
فأصبحنا خلف الأسوار نمارس شذوذنا، وأمام العالم والإعلام نمارس همجيتنا، ونشوزنا عن تعاليم إسلامنا، فلدرء المفاسد نصدر الفتاوى، ولكبح جماح شبابنا نفتي بما هو ليس في ديننا، ونلجأ لأحاديث وضعت زمن الفتنة والمرتدين والخارجين والتناحر على السلطة في زمن آخر الخلفاء الراشدين لإثبات الحجة، والتنافس على السلطة، فضاعت الأحاديث ووضعت لتناسب أهواء سلاطين ذاك الزمان، وأخذناها من غير تدبير، ولا تفريق، وتركنا الأصل وهو القرآن والسنة النبوية، ألم يتعهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذاك الوقت بقتل راويين الأحاديث النبوية، لماذا؟، لأنه عرف أن الأحاديث ستسيس لتنال رضا هذا، وتحليل ذاك فأمر بتركها والرجوع إلى الأصل وكتابة فقط السيرة، لتكون منهجا متبعا وليست أحاديث منقولة لمن وكيف الله اعلم. فلم ترو الأحاديث إلا في آخر عهد الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكلنا نعرف الحقبة والسياسة التي عمت أحوال ذاك الوقت من الخارجين والمرتدين، والمؤيدين لذاك الحاكم، والتناحر على الخلافة، ومع كل هذه البراهين نحن سائرون للتحليل والتحريم، ضاربين بعرض الحائط أن القرآن شمل وسدد وأنه كامل لا يحتمل التأويل ولا الفتاوى التي تدار من خلف الستار حسب التراث وعادات الأجداد والآباء التي ما فتئ القرآن يذكرنا أنها من أعمال الشيطان.
لذا أصبح لدينا حالة انفصام شخصية صعبة العلاج ولا يوجد لها دواء إلا بالنهوض من هذا الغموض والتشتت الديني والرؤية الضبابية، لأن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، أما لهذه العبارة لدينا من عبرة ؟ فصلنا شبابنا وعوائلنا عن بعض فأصبح لدينا نهم وجوع للآخر، ولم نقرأ القرآن بروية لنعلم أن الله خلقنا سويا وجمعا لا أشتاتا لنتعارف، ولم يأمرنا بالتفرق والتفريق. فأصبح مجتمعنا ، متفرقا، فكلمة مجتمع معناها الاجتماع، هذا للشباب لسوء حظهم، وهذا للشابات ، وبهذا أصبح الجوع أشد والنهم أكبر للآخر، فأصبح الكبت سمتنا، والأمراض النفسية والعنف الأسري في جذورنا قوية، فما أن يحين موعد الإجازة إلا وترى لوحات من الانحلال والنشوز عن باقي مخلوقات الأرض في أسفارنا، فللعرب هوية أخرى لدى سفرهم، من البذخ، والاجتماع غير البريء والمظاهر المؤسفة، والصورة غير السوية لعوائلنا ، وشبابنا متهم في الحصيلة نتيجة مجتمعنا الذي أصر على المضي في طريق كبت الحريات الشخصية، التي لم يحرمها لا دين ولا سيرة نبوية، نراهم في كل مكان عند مغيب الشمس يفطرون، وعند كل زاوية ومقهى يرتعون، وللثقافة والفنون رافضين، إلا من رُحم ، وأنشودة الملايين من عواطف وشجون، ومشاعر ملتهبة حصرت السنة كلها، لتخرج من قمقمها وتعلن العصيان وتصبح كالوحش والنيران تلتهم الأخضر واليابس على السواء دون تفريق ولا اختيار.
فإلى متى سنكون كل هذا المنهج سائرين باسم الأخلاق، والإسلام الذي هو من هذه الممارسات بريء، يفتون بحرمة هذا، ويحللون هذا ويباركون هذا، وكله باسم الدين، لا سماحة ، ولا استقراء لحالة مجتمعنا ولا مصير شبابنا ، فليس لهم من شأن ما يفعلون خارج أسوار مملكتنا ، من عدم رقي في السفر، وانحلال في حلهم وترحالهم، فالازدواجية أصبحت عادية وسمة حتى لكبارنا ، فنراهم في الخارج غير الداخل. إلى أي حين سنظل ساكتين، ونضيع بين الأمم، ويرونا مصدرا للمال، وليس كمثال يحتذى به، ونكون صورة مغايرة للإسلام ودين الاحترام والثقافة والرقي، نابذين وهاجرين للثقافة والمتاحف والفنون ، نسافر لنتعارف مع الشعوب لا أن ننأى بأنفسنا ونعيش حياتنا بالطول من غير تعارف للثقافات الأخرى ولا النهل من حضارات الشعوب والأماكن التي نزورها، لنصبح رصيدا ومعرفة للتعامل مع الشعوب، رحلاتنا ذات طابع ألف ليلة وليلة، إلى متى وقد مضى على القصة دهر من الزمان ولا زلنا نعيش حالة الشذوذ، فاتبعنا الرواية والقصص المليئة بالرومانسية، ونسينا أن الحب كلمة راقية عنوانها إله أحب عباده فأرسل خير عباده ليكون نبراسا مضيئا لكل الأزمان والعصور، فبالحب نرقى، وليس الحب هو الشهوات العابرة، ولا النزوات الجسدية ولا الأهواء المضلة، إنما الحب والهوى هو رسالة سامية وأسلوب حياة وأسلوب للرقي في طريقة حبنا لأنفسنا وللآخر وليس حالة طارئة جسدية، بل هي غذاء للروح التي فتحت لها قنواتها الشرعية. صورتنا في الخارج ضبابية مشوهة ، إما إرهابية أو متشددة أو انحلال أخلاقي وضياع هوية.


همسة الأسبوع
نبدأ رحلة الصيف خالعين رداء الممنوع لنرجع في رمضان ونضع أقنعتنا من جديد، فطوبى لمن استطاع النجاة من براثن هذا المرض

Sunday, 25 July 2010

الاستثمار في البنيان أم في الإنسان؟

حلّقت الطائرة فوق عاصمة أبنيتها تناطح السحاب وتساءلت بيني وبين نفسي ماذا يا ترى سأرى عند هبوط الطائرة واصطدامي بأرض الواقع، هل سأنظر إلى هذه المدينة بعين مجردة، أم سأنظر إليها كمدينة كرهتها من زيارتها. لماذا كرهتها، هل لأنها مثال للاحتلال الغربي في منطقتنا الخليجية، مثال للعبودية، وغسيل الأموال، والخروج عن كل مبادئنا الإسلامية والنخوة العربية، وتقاليد وجذور موروثة عبر قرون من العنفوان والاحترام والروح الأبية؟.

ماذا وجدت هنا وفي منطقتنا الخليجية، مباني تعانق السحاب وبنياناً مرصوصاً، وطرقاً ممهدة، وبنية تحتية في بعض المدن نحسد عليها، ويحتذى بها، ولكن أين الإنسان في غابة البنيان؟ أصبح طي النسيان، مجرد رقم وهمي في تعداد السكان نتسابق لنعدد سكاننا ونتسابق في البنيان، مسابقة محلية للفوز بالجائزة، وهي ميدالية دولية ورضا ورضوان من الأمم المتحدة، وحقوق الإنسان تهدر يومياً في سواق مجهولة الهوية.

أين الإنسان في منطقتنا، أين القيم المهدورة، والحقوق المصادرة، أين البيان؟ أين الحقيقة في مجتمعات تخلت عن الهوية وضاعت في أروقة السياسات الدولية، فلم نعد نجد لها محل إلا في الاستطالة في البنيان، ونسيت الإنسان، لماذا في أوطاننا العربية لا نستثمر في الإنسان قبل البنية التحتية، والأبنية الشاهقة، والزروع والبساتين الغناء، والإنسان يعاني الجهل والفقر والنسيان.

في أي مفترق من الطرق أضعنا الهوية والأهداف السامية، وحقوق الإنسان، في أي حقبة منسية أضعنا الشيمة العربية، والثقافة التي انطوت وغلفها النسيان، في أي واد انزلقنا، ولم نعد نستطيع النهوض بعدها، لنتسلق الجبال ونقف على رؤوسنا، ونرفع راية النصر والإيمان بالله ثم الإنسان.

في أي حقبة من الحروب العالمية فقدنا الهوية وأصبحت إبرة بوصلتنا لا تعرف الجهات الأربع فصارت تدور وتدور من غير توقف باحثة عن المشرق الذي لم يعد له وجود.

صنع القرار بالاستثمار في البنيان، أضاع الإنسان وبنيانه، فلم يعد يوجد إلا الأشقاء من دول آسيا للبناء، والعمل، وتهجير الأموال الوطنية، وبعد هذا نسأل أنفسنا لماذا البطالة والفقر المدقع الذي لا يصدقه من يصف المنطقة ببئر النفط الأسود الذي ليس له قرار. إنها سياسة دولية لتجفيف العقول العربية من منابعها وجريانها، ثم إلى مصباتها لتصبح في آخر المطاف نقاطاً بالكاد تروي ظمأ المواطن العطشان لتصبح المقولة: «جفت المياه في حارة السقايين». المياه الجارية من أموال لم تعد لبناء العقول البشرية التي بنيت عليها الحضارات، فلم تعد للإنسان قيمة في منطقتنا المأسوية بل لتشييد البنيان والتسابق بين الطبقات لوضع اليد على أشبار من أرض جفت فلم تعد تنتج إلا الأموال، فهذه أصبحت القيم الإنسانية في أجوائنا العربية، بقايا إنسان، هذه حالتنا الحالية عقول برمجت على التبلد والانسياق وفق الوتيرة المرسومة، فأصبحنا نتندر بالنكات عن العقول العالمية وأثمانها، ولم نعرف أن السحر انقلب على الساحر وأصبحنا الأضحوكة العالمية.

أجيال قادمة وعقولها فارغة إلا من أشهر نجم وأفضل أغنية في سوق أسهم البورصة العالمية، مناهج مبرمجة لا لإثراء عقول أبنائنا بل لتشتيتهم وتضييعهم في غياهب سجون الجهل التي أصبحت سمة وليس بعارض أصاب فلذات أكبادنا.

فأصبحت أياديهم بيضاً ملساء لا تعرف النصب والتعب والعمل، ولا توجد عليها آثار الأقلام السائلة التي عرفنا بها في الحضارات الماضية، فريشة حضارتنا بصماتها واضحة في أجمل اللوحات العالمية السابقة، جهودنا لإثراء عقولنا والإنسان من حولنا باءت بالفشل، لأن رؤساء تحررنا أفتوا بالثراء العاجل والأموال المكتسبة كمنهج جديد لأبنائنا، من يجتهد في فقه المعاملات والأسهم له جوائز ترصد وأموال تدفع، ومن يفتي بإرضاع الكبير وفطم الصغير لزيادة الأبناء والربط الرحيم للأنساب بتضييع الهوية ونصبح أخوة وأخوات في الرضاعة ليحل الفسوق والفجور ونصبح أمة واحدة مبنية على الإخاء والنخوة العربية والفتاوى العصرية.

سكون وسكوت رهيبين يحيطان بنا من كل جهة بلا حول منا ولا قوة، ويوقظنا من أحلام ويطير بنا فوق السحاب، فأصبح السكوت في حياة الأمة ضجيجاً، والأفكار لها أصوات تصرخ بالخروج لتكتب انهزام حضارة اختارت البنيان على الإنسان فوجدنا أنفسنا في فضاء ليس له صدى ولا ارتداد. مدائن جميلة، وإنسانية مهدورة وعقول مهجرة، فهذه حال منظومتنا العربية.

Friday, 23 July 2010

الوزراء وحقوق المواطنين

شيء عجيب، سأروي لكم اليوم قصة، لم أحتمل أن أكتمها؛ لما لها من دلالات وبصمات ومفعول في أحوال مجتمعنا، وصمتنا الرهيب حيال مَن يلعب ويسلب حقوقنا.

هاتفتُ أحد الوزراء لأسأل عن قانون معيّن، فلم أجد في بحثي المستديم عن حقوق وطن، وأوامر مليك، فتناقشتُ معه لوهلة، وسألت عن القضية، وفسرتُ لما لها من تأثير على خصوصية وهوية الأفراد، والعباد، والمستضعفين في الأرض، فالإجابة كانت محيّرة، تذهب تارة ذات اليمين، وتارة ذات الشمال، لتضعني في حيرة أكبر ممّا ابتدأتُ بها عند بداية المكالمة، فنظرت إلى السماعة أسألها هل فهمت؟ إجابة مبهمة، وإشارات غير مقروءة، هذه كانت إجابته، فاكتفيتُ من هذه الإشارة، وقررتُ أن أسأل بنفسي مَن يعلم في هذه المهنة، لأجد جوابًا شافيًا لمسألتي وبحثي، فتفاجأت أن القانون موجود منذ ما يقارب الثلاث سنوات، ووزيرنا لا يعرف أنه أصدر من مليكنا، ليفعل، ولكن لسبب عجيب مذهل لم يمر على طاولة الوزير، ولم يخطر على باله أن يقرأ المسودة الموضوعة أمامه عند كل اجتماع لمجلس الوزراء، لأنه مشغول بعدسات التصوير، والهمس والتلميع، والغترة الأنيقة، والكلمات الانسيابية، والنظرات الذكية للإعلام، لينقل صورة مطلية ببريق السلطة والمعرفة الذهبية.

أهذه هي حالة وزرائنا أيّتها الأمة المحمدية؟ أين الثقة الملكية والأمانة الإلهية؟ أين الضمير في تولّي المنصب وعدم تفعيل القرارات، وتركها لوقت غير معلوم؟ لهذا أصبحت حقوقنا مهدورة، وقضايانا سجينة البيروقراطية، فلا معرفة من الوزير، ولا علم من المواطن عن حقوقه التي هي أبسط ما يكون: نتكلّم في أروقة الطريق، وخلف أسوار الخوف، وجدران البيوت، عن حقوقنا، ولا نعرف أن حقوقنا موجودة، وحكومتنا أدّت الأمانة بتصديرها، ولكن أين التنفيذ وإعلام المواطنين بحقوقهم، وهذه اعتبرها من أبسط الحقوق والواجبات الوطنية، كيف نطالب بشيء وهو موجود؟

كيف نظلم غيرنا والعدل مكتوب في قوانيننا، ومن سلطتنا التشريعية، ولكنها خلت السبيل في موقع ما في لحظة ما، من عدم انتباه لبعض وزرائنا وسلطاتهم التنفيذية، فصارت قرارات وهمية، لا تمت للواقع بِصِلَةٍ في عقل المسؤول، فأصبح يؤلّف ويقول لا أعرف، لربما لأن القوانين المرسومة تكتلت فوق طاولة صاحبنا، فلم يعد يعرف القراءة، ولا ينظم الأنظمة، فيولي كل قرار أولويته، ليجد طريق التحرير والخلاص من براثن سجون الوزارات المعنية.

لماذا حقوقنا لا نعرفها؟ لماذا لا ندرسها في أروقة مدارسنا وجامعاتنا؟ لربما يرثنا جيل يقدر أن يدافع ويقاضي ويعرف حقوقه، ويأخذ بثأر أجداده وآبائه الذين ضاعوا في أروقة المحاكم، واختاروا الانهزام أمام جبروت ظالم لا يعرف للحقوق حرمة؟!

وزراؤنا وحقوقنا، كلمتان متناسقتان، ولكنهما في الواقع نوتة نشاز في واقعنا، فلا انسيابية، ولا واقعية، ولا معرفة وطنية بما أصدره مليكنا من مراسيم وقوانين تعطي لكل مجتهد نصيبًًا، وتنصر المظلوم، وتضعنا في خانة الدول المسمّاة بالعالم الأول. فكيف سنصبح في هذه الخانة وقوانيننا مرتهنة بالمنصب، وهوية الجالس على الكرسي، لا بدستور مؤكد، وحقوق حتمية، ونتائج مرضية وإيجابية؟ أليس الأمم ترقى عند إرساء القوانين، وإعطاء كل ذي حق حقه من خلال دفاتر مكتوبة وقوانين مفعلة، لتحمي كلمة واسطة التي وضعتنا في خانة دول معروفة بهذا المسمّى الذي كنا نجهله، وليس في قاموسنا.

أنصبح في خانة الدول المضاربة، ونطالب بالسوق الدولية، ونحن نولي مناصب لرجال تجهل قوانين وطنها، فيا عجب وكل العجب لمن يريد المنصب ولا يريد التعب.

منظمتنا التشريعية لا تعاني الخلل، ولكن التنفيذية.. فعليها ألف علامة عجب، وعلامات استفهام لمَن يدّعي علم البيان.

إننا مواطنون ساذجون، هكذا يروننا من مناصبهم فوق السحاب، ألا يعرفون أن لكل طائر يطير يومًا ليقع بين النسور، فلن تنفعه جناحاه إذا لا للطيران، ولا لإصدار الأوامر، فعندها سيكون الصمت الرهيب، والحساب عتيد.


همسة الأسبوع

قرن مضى، وقرن قادم، ونحن في بداية عهد ساطع، أكتب الآن هذه الكلمات، فهذه تكفي عن كل العناوين والمسمّيات.

Sunday, 18 July 2010

ممثلون على مسرح التراجيدية الدولية

المالكي الممثل يضحكنا، والمالكي السياسي يبكينا، فما القاسم المشترك بينهما؟ الاثنان ممثلان في رأي الأول على مسارح الدنيا، والثاني على مسرح التراجيدية السياسية. مشهد يتكرر كل يوم، أدوار تصنع وتشكل في سيناريو يعجز عنه أكبر المؤلفين العالميين عن نسج وحبك تفاصيله، فاللعبة دولية والممثلون مقتدرون، ألم تكن السياسة دائماً هي المسرح وبيدها النص؟ وتحرك الكبير قبل الصغير، في قصة مؤبدة في ســـجن تاريخي من القمع والسلطة وصنع القرار.

صفحات التاريخ تشهد، والأفلام تروي قصصاً من التاريخ، تؤكد أن هاتين الصناعتين هما واحد في المشهد العالمي، كم من مؤلف وعبقري، وفنان غيّر التاريخ، ألم نفهم أن السياسة هي أهم فن في الفنون؟ «تدرس» في أرقى الجامعات ومن خلف جدران القصور. كيف تكسب الكاريزما المؤثرة في الشعوب، كيف تخاطب الجماهير، كيف تؤثر وتصنع القرار، وتجعله وإن كان جائراً، من أفضل القرارات تقبلاً، جماهيرية تصنع خلف الأبواب المغلقة، جيوش إعلامية تجند لخدمة السياسيين، وتصنع منهم نجوماً وأبطالاً. ونحن ننقاد وراءهم كالماشية مستسلمين للأقدار.

من بيده صنع القرار؟ هذه ديموقراطية، وهذه اشتراكية، وهذه شيوعية، وهذه منظمات إرهابية كالقاعدة، ما الفرق؟ مسميات على مر العصور تدرس وتحفظ وهي في النهاية حرب للجلوس على مقعد السلطة، مهما اختلفت المسميات.

لعب الأدوار على مسرح السياسة العالمي، هذا هو الجواب، المسميات شتى والدور واحد، ضاع القرار. جودة الممثلين هي ما يحدد المسار، وليس الصدق والأمانة وتحمل المسؤولية، فهذا ليس من المطلوب ولا المرغوب.

نخدع أنفسنا إن قلنا هذا محارب وهذا مخادع، فالنتيجة واحدة، وهي: يوجد مؤلف ومخرج يحرك الممثلين على المسارح الدولية، وبيده – وفقط بيده - خطف الأضواء من هذا وتبديل ذاك، وجعل الشخصية شريرة، أو بطولية، أو استسلامية، أو مهادنة، ولكن عنوان القصة واحد، وهو دائماً بيد الكاتب وليس بيد القارئ، ولكن بيد من يترجمها على الطبيعة، ومن يمثلها على مسرح الحياة الواقعية.

تهديد «القاعدة» الأخير، لمصلحة مَنْ؟ فهذا توقيت مدبر، ممَنْ؟ إيران؟ أميركا؟ أم هما سلطة واحدة، تلعب بنا على أوتار نغمات قيثارة المعارضة والعداوة، فهل هذا تمثيل؟ لم يعد يدهشني شيء في زمن انقلبت فيه الموازين، فالكل يسحب العالم ليطير به على بساط فوق الريح، فهذا أهواؤه ديموقراطية وذاك مذهبية، والأخير إرهابية، كل يتبع منهاجاً مغايراً والمعنى واحد، والمسرح واحد، فالقاسم مشترك والأهداف واحدة، وهو شد أنظار العالم وتغييبها عن الحقيقة، بيد من الحقيقة؟ بيد من القرار؟

إيران تهدد بالمهدي المنتظر، وإن كانت السيرة النبوية تنبأت بظهور المسيح الدجال من أصفهان، وأميركا تهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور إن امتلك غيرها الأسلحة المدمرة الشاملة، وهي تملك تدمير الأرض بأسرها، فأين التناسق والمنطق من هذا المشهد المحير للعقول؟ و«القاعدة» تهدد بقلب الحكم لإرساء مذهب سفك الدماء، وهي تنادي بالشهادة، والإسلام بني على نصرة أخيك ظالماً أو مظلوماً، وحرم سفك الدماء، إلا لمن يخرجك من أرضك ويبدأ بالحروب.

أين القاسم المشترك بين هذه المسرحيات الدولية؟ مَنْ المخرج؟ مع أننا نعرف مَنْ المنفذ، مَنْ العقل المدبر وراء كل هذه الكوارث الإنسانية والسياسات اللاإنسانية في قرن الزلازل والبراكين، والأعاصير الطبيعية والأمراض المستعصية، وظهور الأوبئة الحديثة التي لا يوجد لها دواء ولا شفاء؟ مَنْ يملك القرار والحلول؟ دوامة تعصف في عقولنا الرحيمة، البسيطة التي لا تفهم المكائد الدولية، فأصبحنا رواية معدة للتغيير عند كل عرض مسرحي، بحسب أهواء كاتبها، والأجواء السياسية المواتية لفرض التغيير.

لماذا نصرف وقتنا في التحليل؟ وكتاب يتسابقون الفلسفات السياسية والتفسير، والتاريخ مكتوب، والطريق عُبِدَت من زمن بعيد، أهو حب الإنسان الدائم للعبة، لعبة ما على مسرح الحياة، وإن كان دوره صغيراً، وغير مجدٍ لما قرر في أروقة صنّاع القرار، ووقعت من كتاب التاريخ، مَنْ يعمل لمصلحة مَنْ؟ مَنْ يدير العالم بجبروت وصمت رهيب؟ ماذا تُجدي الكلمات والسطور في كتاب قد كُتب وانتهى إخراجه منذ زمن بعيد؟

Friday, 16 July 2010

ردود سريعة.. التحضير

سبحان الله، كما وجدت مطاعم للوجبات السريعة التحضير، فقد أوجدت للمسئولين ردود سريعة التحضير، فما أن نكتب عن موضوع ما إلا ويبادر المسئول بالنفي وسرعة الرد، وكأنما الطبخة طبخت ، وأعدت لخدمة قضية ما، أو لنقل لحالة ما، فأصبح لدى المسئولين من شتى القطاعات ردود سريعة لكل القضايا المعلقة والواقعية متوقعين أن الأمور لا زالت كما عهدناها في السابق ، بمجرد أن ينفي المسئول شبهة ما أو حدثاً ما أو حالة ما ، نسارع للتصديق ، ولم ينتبهوا أن الأمور تغيرت ، ولم نعد نصدق التصريحات التي تعمي العيون، وتصم الآذان، لأن الأمور بكل بساطة قد تغيرت، وأصبح المواطن أكثر دراية بالواقع لأنه يعايشه، ولكن المسئول وللأسف ، فإنه في عرشه العاجي، يعيش بين السحاب فوق غيمة تحجب عنه الرؤيا، وتبعده أكثر وأكثر عن الواقع الأليم الذي يعايشه المواطن، والزائر والمقيم، من تناقضات بين التصريحات الإعلامية، والحياة العملية، فلنستعرض بعضا من هذه التصريحات، والتناقضات على السريع كردودهم سريعة التحضير..
غرفة جدة التجارية، وبعض مسئوليها، ينفون بشدة تأثير ما يحدث في الساحة من قبل بعض الهيئات الحكومية على السياحة ومنشآتها بجدة، وهذا بالطبع لأنهم لا يزاولون العمل الميداني، ولم يسألوا أصحاب المنشآت عما حصل لهم من معاناة وخسائر مادية، وعزوف من الزبائن على ارتياد المقاهي والمطاعم لأنهم وبكل بساطة مشغولون بعدِّ الأموال أو تنظيم المهرجانات التي تدار وتنظم بشكل عشوائي، ونتائجها عبر السنين كارثة. فكيف يديرون أعمالا وينظمون مهرجانات ويخسرون أموالا، ويريدوننا أن نصدق ردودهم السريعة بإلقاء اللوم على هذه المشكلة أو تلك المعضلة، ويبدلون كل سنة أهواءهم ويفكرون ببدائل تجلب الخسارة لعدم معرفتهم بالأجواء الواقعية ، والأحوال الجوية، والتغيير الفكري للمواطن والزائر، فلا هم عاشوا الواقع ولا هم استطاعوا أن يبتكروا البدائل ، ويريدوننا أن نصدق ونستسلم لرؤيتهم الضبابية وأقوالهم الأرجوانية، وردودهم الاصطناعية.
لنخرج من السياحة والغرفة التجارية، ونذهب باتجاه آخر وهو الحالة الكهربائية، والمائية لمنطقة جدة التسونامية، فقد صرف الملك مليارات لإنشاء محطات توليد ، وتحلية لمياه البحر التي لا تنتهي، ومخزونها لا ينضب، فأين الخلل وأين الحلقة المفقودة، بالطبع لديهم الردود سريعة التحضير ، بأننا في صيف ذي حرارة شديدة تعطل المولدات، وأجهزة التحلية، أو لم يفكروا بحالة طقسنا عند إنشاء هذه المصانع، أم استوردوا أجهزة عفا عليها الزمن، أو مولدات تصلح للقطب الشمالي، وتحلية لمياه الأنهار؟
فالأموال تهدر ، وملاك مصانع الأغذية يقولون لا صوت لمن تنادي، وهيئة السياحة تقول لا دخل لنا، والطلاب يرسبون ، ولا من يبالي، فالحالة مزرية والدائرة تتسع لأكثر من مناد ولا من يلبي، فأحوالنا الاجتماعية ليست أفضل ، فأئمتنا الأفاضل يتنابزون بالألقاب ، وكل منهم يصيح بالفتاوى، وكأن البلد لا يوجد لها مفت ولا ولي أمر يرجعون إليه من قبل الإفتاء، أو الظهور في منابر الإعلام و يحثون الناس في الخطب على الامتثال لولي الأمر ، وهم أول الشاذين عن القاعدة، فكل يتكلم عبر المنابر بلغة شاعرية يحسبون أن لها تأثيراً على المشاعر، ولا يعرفون أن ثلاثة أرباع الأمة لا تفهم السجع من الكلام، وأنهم يخاطبون العامة في القرن الرابع عشر هجرية لا السابع من الهجرة النبوية، فنراهم ردودهم سريعة التحضير، وكأنهم قد أعدوا العدة وجهزوا الطبخة حتى قبل نضجها، فالكل يتنافس على ضم أكبر عدد من المؤيدين ، وتركوا الرجوع إلى ولي الأمر ليتحدث ويفتي بالأمر، ليكونوا أسوة وقدوة لنا، وليس العكس، فالناظر يرى أن هيئاتنا الدينية لا تتفق على أمر، فأصبحوا كالوجبات الجاهزة سريعة التحضير لا تهضم بسهولة وتسبب عسر هضم ، وأمراضاً مستعصية لا يوجد لها شفاء ولا أدوية.
أما حالتنا الاقتصادية فحدث ولا حرج، فالأسعار المحلية تغلي مع غليان الجو والمنشآت السياحية ترفع الأسعار وكأن المواطن يملك ما يريد أن يتخلص منه، من الأموال الزائدة فيعاونونه على إيجاد حلول سريعة التحضير، بترك التجار يلعبون في أسعار الفنادق، والتذاكر ، والمطاعم ، كل حسب ما يراه مناسباً لتخليص المواطن من عبئه الثقيل وهي الزيادة في الأموال، والكثرة في الخيارات ، فلم يعطوه بديلا ، بل ألزموه بارتفاع للأسعار، ليس معه خيار إلا الخضوع والاستسلام ، وإن سألتهم فردودهم سريعة التحضير ، وهي الأسعار عادية، ولا يوجد أسعار خيالية، ولكن مصدرها أوهام البعض نتيجة ارتفاع حرارة الطقس، ينفون القضية برمتها، بكلمة مفادها إما أن تصدقوا وإما نتهمكم بالجنون، والخروج عن الأعراف والتقاليد، فهل يعقل أيها المسئولون عن الرقاب والمحاسبون أمام رب العباد أن تردوا علينا بردود سريعة التحضير، بزمن لم يعد يوجد لهذه الوجبات من زبائن تستسيغها، وتهضمها، وأصبح لديكم رقيب، هو المليك، عبدالله، وولي عهده وسمو النائب الثاني، على من تسول له نفسه اللعب بمفردات لا تلئم الجروح ، ولا تمنع سيلان الدماء من عروق المواطنين التي جفت منابعها، وسالت دماؤها، وشتتت أهواؤها، ما بين محلل ومحرم، وناف وجازم ومطفف وعادل.
وهذه إلا بعض يسير من مشاكلنا التي يجب تيسيرها لا تعسيرها، أما الباقي فهي لائحة طويلة من المشاكل التي يجب أن توضع لها حلول واقعية، لا مجرد كلمات وهمية ، لإشباع حالة طارئة، ونثر الرماد فوق منطقة لإطفاء حريق شب في قاع بركان، فلا الرماد يستطيع أن يطفئ البركان، ولا الرد السريع يستطيع أن يحل مشكلة ، نريد حلولا مفعلة، نراها أمامنا لا إعلاميا، بل واقعاً ملموساً يعايشه المواطن كل يوم، وعلى شتى الطبقات ، وفي شتى المناطق ، لا أن تستثنى مناطق، أو طبقات عن الحلول ، ولا ينادى عبر المنابر بأمور ، ويخرجون عن طاعة ولي الأمر المنوط بحل هذه المعضلات فأصبحنا مثل أوراق الشجر تتناثر يمنة ويسرى عند هبوب رياح جنوب فتجتمع كومة ورق جاهزة للإحراق عند هبوب رياح الشمال العاتية.
نصدق من؟ نتبع من؟ أنا متأكدة أنه غدا سأعرف الإجابة سريعة التحضير ممن يملكون هذه الموهبة في الردود فورا، وسنعود للعبة التلاعب في الكلام، والخروج عن النص، فهكذا يريد مخرج الرواية، أن نصدق الحكاية، باسم القانون، والدين ، والمواطنة ، والعلم، ألم أقل لكم من البداية إنها أجوبة سريعة التحضير.

همسة الأسبوع:
يا زمان العجائب!

Wednesday, 14 July 2010

تصدير «حضارة»... أم تصدير «إرهاب»؟

نتزاحم في كل عام طوابير أمام وكالات السفر ننتظر الفرج والهروب من حرارة الجو وسخونة الأجواء الاجتماعية، تسعة أشهر نمضيها لابسين الأقنعة على رغم أنوفنا، ملتزمين من غير اقتناع أو تدبير، فقط لأجل صورة رسمناها لأنفسنا، واعترفنا بأننا قادرون على أن نخدعها لحين.

وما أن يدق ناقوس الإجازة، حتى نسارع لخلع ثياب التقوى والكفاية من شيوخ وولدان، من ذكور وإناث، على شتى المستويات والطبقات الاجتماعية والعمرية.

بدايتها تكون عند صعود الطائرة، فتسارع النساء بخلع العباءة، أما الرجال، بحسب طبقتهم، إما بالجلباب الوطني، وإما ببدلة «جيفنشي»، فأما غطاء الرأس لنسائنا فهي أصبحت طوابق مبنية، ووجوه زخرفت بشتى أطياف ألوان قوس القزح، ولم نعد نرى البداية من النهاية، وروائح عود تعبر السحاب، وتصول وتجول في مكيفات الطائرة لتزكم الأنوف ثم تطول مراكز البنية في عقولنا بأن يوجد سيدة ذات رائحة نفاذة تدير الظهور والعيون للمناطق المحظورة، وأما رجالنا فتحلوا بأروع الساعات السويسرية وأرقى العطور الفرنسية، وأجمل القصات الغربية بعد أن كانت حبيسة الأدراج لحين وقت صعود الطائرة، ومحافظهم مليئة بشتى أنواع النقود، والكروت، التي جمعت طوال عام، وحرم منها الأطفال والزوجات، لتعلن حريتها في هذه الأوقات التي يعبر فيها الزوج الحدود الجغرافية ليصرفها وينثرها ذات اليمين وذات الشمال في الأماكن الليلية والملاهي العصرية، وعلى المغنين الموهوبين، وذوات الاختصاص من تصدير هذه الفئات خلال الصيف.

ففي أوروبا والبلاد الشرق أوسطية يعدون العدة لهذا الموسم ويترقبونه لملء جيوبهم التي فرغت طوال فترة الشتاء، فتراهم مستعدين لتلبية كل الرغبات العربية، من سيارات فارهة، وحسناوات، وأماكن معروفة للجميع، إذ الملتقى والرقص على أوتار الجذب للأجمل والأثرى وذلك كله يعتمد على الطبقة الاجتماعية وقدرتها على اجتذاب ما لم تقدر عليه في موطنها.

شوارع معروفة بالشوارع العربية، إذ الأغاني الخليجية تصدح بكل حرية، لتعلن أنه بهذا الموقع توجد ثروات جاهزة للعطاء، مادامت الطلبات منجزة، ومهيأة للأجواء، والطبيعة الخليجية، فنادق مملوءة لحد الاختناق، ورائحة الأطباق العربية تجوب بكل مكان، أما الظاهرة الجديدة، من شيشة لبنانية فهذه قصة أخرى من تلوث حتى الأنفاس الطبيعية، فالتلوث اجتاز حدوده الجغرافية ليصبح فيزيائياً وكيماوياً ويصبح معادلة رياضية.

ففي النهار ينام جنسنا من المخلوقات الغريبة، وفي الليل تستيقظ هذه المخلوقات الكونية لتصبح مثل الخفافيش لا تعيش إلا في الظلام لتحاكي نفسيات مظلمة ضبابية تعيش بازدواجية، وتجول وتصول تحت جناح الظلام حتى لا يرى أفعالها إلا من كانوا مثلها أبناء الظلام.

أين حضارتنا الإسلامية وهويتنا العربية التي بناها أجدادنا لعقود وأزمنة منسية؟ أين ابن بطوطة ومناطقه الجغرافية؟ أين ابن سينا من أمراضنا المستعصية؟ أين ابن حيان من تركيبتنا الكيماوية؟ أين المتنبي من لغة الضاد التي أصبحت منسية؟ أين المغرب العربي الشاهد على توسعنا وانهزامنا الحضاري؟ هل هذه العادات والقيم الإنسانية التي نريد بها تصدير حضارتنا الإسلامية وهويتنا العربية ومبادئنا الدنيوية؟ حضارة اندثرت وحل مكانها جهل، وصورة مشوهة لما آلت إليه مجتمعاتنا، من ضياع قيم وهدم حضارة، أريقت فيها الدماء، وخطت الأقلام والعلوم لوضع لبنة أساسية لكل العلوم العصرية.

أين ابن تيمية والشافعية والحنابلة من أحوالنا الاجتماعية؟ أم أصبحت مجرد مناهج تدرس في أروقة مؤسساتنا التعليمية؟ فنحفظ خلال العام، لنضعها في الأدراج خلال أسفارنا، فهذا يثبت عدم جدواها، وطريقة تعليمها لأجيالنا الحالية لأنه لم يعد يوجد قدوة ولا تدبر للمعاني الدينية، بل حفظ وكتابة للنجاح أو الرسوب لنيل شهادة وليس لكسب أخلاق ومنهج نسير عليه، وننتهجه كحضارة نصدرها للعالم، ونكسب الرهان وننجو من براثن الكفر والعصيان.

أما الإرهاب فهو جاهز للتصدير بكل عزيمة وتخطيط، كهوية وحضارة جديدة، بنينا عليها آثارنا المجيدة الحديثة، ففي كل بلد أوروبي نرى الشيوخ الملتحين أخبارهم على كل لسان، وفي الصحف أخبارهم تهز الأبدان، ونشوه صورة أفضل الأديان وسيرة خير الأنام، مراقبون، يبثون روح الفرقة، وأشكالهم لا تمت بصلة للجمال لا من بعيد ولا من قريب، زوجاتهم منقبات، وكأنهن بذلك اتبعوا سيرة عائشة وأمهات المؤمنين، ألم يتدبروا الآيات والسور في قرآننا بأنه لا توجد آية تدل على هذه العادة؟ وليست موجودة في الدين؟ أم أصبح الإسلام وسيلة لنشر العنف، والصورة القبيحة، ونسوا الجمال والسلام والسكينة، والحوار بين الأديان، فيكفرون ذاك ويحللون هذا، وكأنهم يملكون رقاب العباد ولا يعرفون أن هذا فقط لرب العباد؟

أحوالنا الداخلية لا عجب، وأما أحوالنا الخارجية حبر على ورق، فالحبر تمحوه المياه المتدفقة، من تشدد على العباد من غير رخصة إسلامية، ولا تدبر للسيرة النبوية.

أما العجب وكل العجب فنزوحنا الجماعي للسفر في كل عام، من غير تغيير للأنماط السلوكية التي تدعو للاستحياء من رب العباد، من إسراف وجهل، كأن انتهالنا من ثقافتهم وحضارتهم كفر وحرام، وسهرنا في الليالي حلال، وانتقام من حال مرضية مستعصية لا توجد لها هوية.

أين أخلاقنا وعلومنا؟ وثقافتنا وحضارتنا يا أمة محمد؟ أين أضعنا الهوية؟

بين انحلال حضارة، وسطوع نجم نمط جيد للإرهاب المستتر المعلن، الرواية محبكة، والأدوار موزعة، أين الصواب وأين الخلل في هذا المرض الذي استحوذ على عقولنا وغيّر من طباعنا, وأغنى جيوب من نلقبهم بالكفار والمتمردين على الله، وعلى رغم كل هذا نسافر كل عام للأهداف نفسها، وهي التحلل من القيود الداخلية، والأقنعة الذهبية، والبرونزية، والبلاستيكية، لتصبح هجرة جماعية ليد العالم، من نحن وما ثقافتنا وحضارتنا الحالية، من أخلاق وصور مبتذلة ليس لها علاقة للحضارة من صلة؟

متى نرى أنفسنا في المرآة، من غير أقنعتنا، ولا سحر كلماتنا، التي أعمت بصائرنا عن رؤية الحقيقة؟ وهي أننا كأمة أصبحنا أضحوكة وممولين للجيوب، وليس شعباً ذا احترام وقيم ظاهرة للعيان. فحلالنا مرهون بفتوى، وحرامنا مرهون بأهواء. وقيمنا وثقافتنا أصبحت «هز البطون، وآهات يا ليل يا عين»، فنحن موقوفون جامدون في فضاء لا يسمع إلا رنين الذهب، وأهواء لا يرضيها إلا الأغاني والطرب. وبالمقابل رجال لا يستهويهم إلا الضرب على الوتر، وتر تمثيل إسلام بُني على هدم للقيم بشتى الوسائل من عنف وترهيب، وإرهاب للنفوس، فأصبحنا ما بين البين، في جهتين، قطب جنوبي، وقطب شمالي، لا يلتقيان أبداً.

أضعنا الهوية والحضارة أيتها الأمة العربية التي بناها أجدادنا بكل كد وتعب، وبجرة قلم أزلنا قروناً من التألق وتصديراً للفنون والعلوم والسلام، لنصبح مهزلة وألعوبة عالمية يقذف بنا ذات اليمين وذات الشمال، وحضارة اضمحلت وغادرت، وأصبح مكانها مصطلح اسمه الإرهاب، والشتات، وضياع حضارة كانت على سفوح جبال وقمم.

Friday, 9 July 2010

ملاه أم قرصنة جوية ؟



حيث إنني أسافر كما الناس جميعا هربا من لهيب صيف جدة، ورضوخا لطلب أولادي للخروج من أجوائنا الاجتماعية الأكثر سخونة، تهيأت للسفر واعتراني القنوط قبل ركوبي خطوطنا المتميزة بخدماتها الرائعة، والخارجة عن كل قوانين الملاحة العالمية، فحتى خطوطنا خاضعة لأهوائنا الوطنية من الحب والعشق للخروج عن كل القوانين في حياتنا اليومية، فرئيس خطوطنا من الواضح أنه من المعجبين بالمافيا الدولية وبالألعاب البهلوانية، وحفلات السيرك العالمية، ما إن وضعت رجلي اليمنى داخل الطائرة، إلا وقد بدأت الحفلة التي لم أعرف وجودها، إلا عند صعودي سلم الطائرة، فقد بدأ المسافرون من أول لحظة يتساءلون عن درجة الحرارة داخل الطائرة، هل هي طبيعية أم قررت الخطوط أن تضيف خدمة الحمام المغربي لمسافريها؟ وما إن أقلعت الطائرة وطبعا يعد هذا تأخيرا طبيعيا لخطوطنا وهي دائما تتأخر عن التطوير العالمي للخدمات، وليست ملزمة بالمواقيت المتعارف عليها دوليا، فهي صورة مشرقة للدكتور الملحم من الخروج عن كل ما هو مألوف للأمان الجوي والملاحة العالمية من قوانين ونظم دولية، حتى بدأت المسابقات، والجري والأصوات اللاحضارية، فبعد إقلاع الطائرة بثوان، أصبحنا في ملاه سعودية، من أطفال يتسابقون في الممرات، ورجال يتنزهون عند المضيفات، ونساء يتكلمن بأصوات عالية عن آخر الأزياء وكأننا في عزيز مول أو مجمع العرب، فالأطفال كانت أصواتهم تعلو وتعلو، ولا يوجد أحد على متن الطائرة يوقف هذا المهرجان، الذي اكتمل عند تقديم الطعام، فالكل خارج داخل على المنطقة المخصصة للطعام، حاملين بأيديهم ما أرادوا من طعام، وما أدراك ما هو الطعام، لحوم قد جفت، وأسماك تنادي بالخروج من لائحة الطعام، وخضار صعب هضمها، وسلطة من مخلفات الأزمان، وحساء عفا عليه الزمان، وهذا ليس بالمهم مادام الأمن والأمان، ولكن تفاجأت بأن الطائرة الجديدة معطلة منذ الإقلاع، فالتبريد لا يعمل، والأجهزة الاتصالية موقفة لإشعار آخر، أما حركة المقاعد، فهي بالفعل أروع ما في القصة، فتارة تصعد إلى الأعلى، وتارة تتقدم إلى الأمام، وتارة لا تعرف بأي اتجاه تسير، ولا إلى أي هدف وضعت، فناديت المشرف، فقال لي حديثه المعروف من قبل كل موظفي الخطوط « مش ذنبي» اسألي الكابتن! وعند سؤالي عن الكابتن، فالجواب كان أكيد لا يقدر أن يترك غرفة القيادة، لأسباب أمنية، وهل أكثر من تعطل معظم الأجهزة، معنى أمنيا، وسلامة الركاب؟ فأصبحت معلقة بين الأرض والسماء لمدة تزيد عن ست ساعات لا أعرف هل سألاقي حتفي أم سأنزل بسلام؟ وأنا أدعو على إدارة الخطوط «بأن ربنا يريهم الحقيقة» ويجعلهم يعانون كما نعاني لربما يصحون من غفلتهم، ويحاسبون حسابا عسيرا من قبل إله لا ينسى مظلمة العبد للعبد، فكيف بملايين الأنفس البشرية التي سلامتها في يد من لا يعرف قوانين أمن الملاحة العالمية، ولا هي من سيرته الذاتية، فرقاب العباد أصبحت في يد إدارة تحتاج لإرادة جبارة بأن تستيقظ من سباتها قبل فوات الأوان، لأن النهاية قريبة فلن تستطيع طائراتنا التحمل أكثر من ذلك، ولابد من كارثة جوية، لتضع كل طاقم هذه الإدارة تحت المساءلة، والمحاكمة المحلية والدولية، هذا إن لم يرفع عليهم قضية عالمية من قبل مجلس الملاحة الجوية العالمي، ليضع خطوطنا في أسفل القائمة، وتكون قضية عالمية، فنحن لسنا بحاجة لها في هذا الوقت، ولا هذا الزمن، فكفى بسمعتنا العالمية، كمستهترين بالأنظمة الدولية، فكيف بجهاز يمثل دولتنا، ويكون مضادا لقوانين الملاحة الجوية؟ لابد من رادع، ولابد إلى من يقف بوجه هذه الإدارة التي أصبحت بلا ضمير، ولا حس وطني، ولا تخاف من أحد لأنها أصبحت تأخذ في العلن كل الميزانيات الحكومية، لتضعها في غير محلها، وهذا ليس على أحد بخافٍ، فالوضع المزري يراه الجميع، ولكن الكل ساكت.. لماذا؟ هذا سؤال محير يقلقني، وأتساءل ما هي الحكاية؟ فلابد من رفع أصواتنا عند مليكنا وولي عهده ولابد أن نجتمع وأن نوصل أصواتنا بأن خطوطنا أصبحت ملاهي جوية، وخطرا على أرواحنا وسمعتنا الدولية.

همسة الأسبوع
إِنَّا لِلَّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعُوْن

Wednesday, 7 July 2010

إغتصاب زهور برية



سيدتي نت / لا لزواج القاصرات

على مر العصور كانت المرأة سببا لكل المتناقضات في حياة الرجل، وشماعة يضع عليها أسباب نجاحه أو إحباطه وفقا لأهوائه، وفي كل المجتمعات الدولية نرى ونسمع عن قصص خيالية عن تجارة البشر وخاصة التجارة في الإناث، بمن لا تزيد أعمارهن عن 13 – 15 عاما بأقصى حد، لتصنع في المجتمعات الدولية معاناة صامتة وسكوت دولي لمافيا دعارة الأطفال، فقد رأينا بأم أعيننا الفضائح العالمية لسياسيين ومشاهير ومستشارين حتى أساتذة جامعات متورطين فيما يسمى بدعارة والاتجار بالأطفال، وليس هناك تبرير لهذه البشاعة من انحدار للقيم، ولكن وبكل الأحوال نتفق أن من ليس له وازع ديني أو أخلاقي بمجتمعات قد أباحت حتى الزواج المثلي، فلا عجب أن يتم اغتصاب وانتهاك تحت ستار الليل وبمباركة وحماية رجال السياسة والفكر، ولكن أن تنتهك أعراض بناتنا باسم الإسلام والشرعية.

فهنا يجب أن نتوقف ونسأل: لماذا وكيف ؟ أتحت أنظار مشايخنا وقضاتنا يحلل لذكور بلغوا من العمر عتيا أن ينالوا باسم الدين والفهم المغلوط للسنة النبوية، أن تغتصب بناتنا وتحت ولاية همجية لمفهوم الأبوة ، ويحاك تحت غطاء المثال النبوي لزواج عائشة عليها السلام كمثال يحتذى به لتمرير شذوذ بعض كهولنا وعقوق بعض الآباء عن فهم منهجية رسولنا صلى الله عليه وسلم في قراءتهم المغلوطة عن تملك سيد البشرية ودخوله بأحب زوجاته إليه بعد خديجة الكبرى.

وهنا لا يوجد على الإطلاق اتفاق على موعد دخول محمد بن عبدالله على السيدة عائشة، فمنهم من قال بنى عليها في الثالثة عشرة أو الخامسة عشرة أو الثامنة عشرة وهي الأرجح، وفي كل الأحوال فما كان سيدنا وحبيبنا خير البرية والمبعوث لإتمام مكارم الأخلاق جبارا شقيا، فقد كان يلاعبها مثل الأطفال ويتحمل عنفوان شبابها بالابتسام والملاعبة والجري، أما ما نحن فيه الآن كواقع، فهذه حالات وحشية لذئاب بشرية اتخذت الدين غطاء لتغرس أنيابها وتدمر طفولة لتصبح تجارة في مجتمعنا لترضي شذوذ بعض رجالنا تحت أعين ومسمع وترصد وإرصاد من كتاب الأنكحة.

لا توجد قوانين معينة تقيضهم عن اقتراف جريمة تحليل اغتصاب الطفولة ، فالزواج في الإسلام هو اتفاق بين طرفين بالغين راشدين ومقرون بموافقة ومعرفة الطرفين بالحقوق والواجبات المترتبة على العلاقة، فأين نحن هنا من المعادلة الصحيحة.

عذرا يا أيام الطفولة البريئة، فقد اقترفت وحوش مجتمعنا جريمة إنسانية ، عذرا أيتها الطفلة البريئة ، فقد سلموك لأيدي الذئاب البشرية بأثمان بخسة ، عذرا لمجتمع أصبح لا يصبح ولا يمسي إلا على سيرة الجنس واغتيال البراءة ، فلنرجع إلى قصص نعتز بها لأيام مضت من المشاعر الإنسانية ، والحكايات المروية من جداتنا وأجدادنا عن احترام متبادل بين طفلين عاشقين بريئين ، كان حلمهما أن يسيروا على شطآن ذهبية في أماكن منسية ، وأحلام وردية، متجانسين في العمر والرؤية المستقبلية ، بكل انسياب لبناء مستقبل لأجيال قادمة، تعي وتدبر المعاني السامية لقرآننا وسنة نبينا ، ولا تتخذ الهمجية والجاهلية دستورا لاغتصاب طفولة باسم السنة النبوية، فحاشا أن نقارن نبينا بهذه الحالات التي لا تنتمي إلى دين سماوي ولا قانون أرضي يعنى بالإنسان والإنسانية.

غفوت لحظة بين الأرض والسماء ، فثرت بعد لحظة ومسكت قلمي الأرجواني اللون، لأدافع عن أمومتي عن غضبي ، عن ثورتي، ضد من تجرأ بجرة قلم أن يلغي معنى طفلة وبراءة أنوثة وحلم وردي من كتاب العشق والحلم بقفص ذهبي مفعم بالحب والأحلام ، ليقحمها في عالم سفلي من اغتصاب بشري باسم شريعة ، لا تمت بصلة إلى ديننا الحنيف بل إلى شريعة الغاب، وغياب الضمير عن أمومة وأبوة وجيل عقيم يتاجر بأطفالنا ويرجع بنا إلى زمن الرقيق..

Friday, 2 July 2010

الحقوق الوطنية والحقوق المدنية

الفرق بين الاثنين أن الحق الوطني هو علينا والحق المدني هو لنا، أطيعوا الله ورسوله ثم ولي الأمر منكم، فحق الوطن علينا هو الولاء والطاعة لمن أراد الله أن يكون وليا علينا، وأن نبذل كل جهدنا بالامتثال والتخلي عن الأنا في سبيل الله ثم الوطن. ما هو الوطن؟ الوطن هو أرضنا، وليس هو أي وطن، هو أرض مشى عليها الرسول الأمي، المبعوث من الله رحمة للعالمين، كل ذرة وحبة رمل وسفح جبل، وحجرة وصخرة، تشهد أنه سار عليها تتشرف بموطئه صلى الله عليه وسلم، ضيفا على هذه الأرض الطاهرة، أو ليس كلنا ضيوف الرحمن في هذه الدنيا، ولكن محمد بن عبدالله كان ضيفا مقيما ما دامت الأرض ومن عليها بذاكرة تحن القلوب لبكة، ولمأواه تشد الرحال لزيارته في طيبة الطيبة المدينة التي أنيرت بساكنها صلى الله عليه وسلم.
أما سائر مملكتنا الحبيبة، فهي قصص وملاحم للصقور، والنسور، وفي آخر المطاف، أسد السلام، عبدالله بن عبدالعزيز من شرف بلقب خادم الحرمين وسلطانه الذي يده ممدودة في كل حين للمحتاج والفقير، ونايف، من ناف ولم يجعل قصورا بيده وسيفه المسلول وحنكة للحرب على حرب القرن الواحد والعشرين وهو الإرهاب المستور، وإخوانهم من سلالة عبدالعزيز صقر الصقور. فلله ثم لهم الولاء والطاعة، ونرفع آيات التوحيد والشهادة لحماية تراب هذا الوطن، الذي لا يعرف مقداره، إلا من سكنه وحل فيه وعاش بأمن وأمان، ومن جرب حياة الغربة بما فيها من تشتت وضياع. فحق الوطن علينا أن نفديه بروحنا، ونفدي رجالاته بأجسادنا كما فعل السلف من أجدادنا لمجرد كلمة وطن، فكيف يفتدي الغرب أوطانهم بمجرد رفع ناقوس الخطر ونحن نجلس في بيوتنا إلى أن يزول الخطر، فكيف لنا أن نبني وطنا وهذا حالنا، فالوطن يريد سواعد أبنائه فكما لهم عليهم من واجبات تجاه حماية هذا الوطن ورجالاته، الذين يسهرون ليلا نهارا لحمايته من كل معتد أثيم، من رحل من بلاده قل مقداره، حتى لو كانت البلاد المقصودة بالنعم معروفة، وللحقوق حافظة كما يتوهم المتوهمون. والشق الثاني من الحكاية، والرواية، هي حقوق المواطن المدنية، فهذا الشق هو السؤال المحير والغامض من الحكاية.
نحن لا نعرف أين تبدأ حقوقنا المدنية وأين تنتهي، وأين تبدأ حرياتنا المدنية، وإلى ما تؤول إليه حقوقنا الضائعة، بين هذا الجهاز وذاك المسؤول. في مدارسنا لا تدرس الحقوق، وفي جامعاتنا تنصرف أذهاننا إلى ما هو يملأ البطون، فلا في مدارسنا علمنا أجيالنا حقوقهم، ولا في جامعاتنا درسناهم حقوقهم الوطنية، فأصبحنا كالماشية ننساق وراء هذا، ولا تعرف تلك، ونطالب بذاك، والأمور أبسط من شربة الماء، أقول بسيطة، نعم بسيطة لمن يريد الوعي والاستثمار في إنسانية ويطلب المعرفة، ويحترم ذاته، فليبدأ بنفسه، ويحفر الآبار، وتجري المياه من منابعها، ويحتمل على نفسه، وينشر الوعي، كل في مجاله وطبقته، ودوره، ومحيطه، وبهذا نبدأ مسيرة وطنية شعارها الوعي بالحقوق، لنشهرها أمام كل من تسول له نفسه باللعب على الحبل والجهل، ونستثمر كل قرار أصدر ولم يفعل، بالإصرار على تفعيله بالحوار وتوصيل الخبر بالإعلام، لتعم المصلحة للجميع، ولا نجلس كالشيطان الأخرس، كل يريد الآخر أن يقوم بالمهمة الصعبة ويتحمل الملامة والنصب والتعب، وفي المحصلة يهرب من المعركة والميدان عندما تلوح في الأفق علامة حمراء وحدود يخطها المسؤول، والكلمة المعتادة، أنا ليس بيدي شيء، إنما بالواسطة تقدرون أن تفعلوا كل شيء، فهنا نهدر الحقوق، ونهدر الآدمية والمبادئ الإسلامية على صخور المدنية والحقوق المسلوبة من المواطنين باسم الهيبة والضبابية، التي تلف بعض المسؤولين في أسفل الهرم، فلا نعرف لهم سميا، ولا نقدر أن نمسكهم بأيدينا، لأنهم مثل السائل اللزج ينسلون من أيدينا كلما ظننا أننا أطبقنا أيدينا حول أعناقهم، وبقدرة قادر، يتحللون من العقود، ويتابعون المسيرة من إهدار للحقوق، والتسلط على العباد، لأنهم يعرفون الجهل المستشري بين المواطنين عن حقوقهم غير مكترثين، وأصواتهم ليست مسموعة، لأن آدميتهم مهدرة، وببساطة لأنهم فقراء لا يملكون ما يملكه الآخرون من سلطة وهيبة.
لا مليكنا حفظه الله، ولا رؤوس هرم السلطة، راضون عن أحوالنا، ولكن يد واحدة لا تصفق، لماذا ننتظر من المليك وإخوانه دائما أن يعطونا، ولا نعطي نحن؟ لماذا نتكل دائما، ولا نقف بأنفسنا ونعرف حقوقنا، لماذا ننتظر دائما تصريحا صحفيا لهذا المسؤول، أو ذاك، لتبتل عروقنا، وكأننا لا نرتاح إلا عندما تؤخذ المسؤولية عن عاتقنا ليتحملها غيرنا، ويقوم بالواجب والعزاء، لماذا ننتظر دائما من حكومتنا أن توعينا على أبسط حقوقنا مثل الأطفال الرضع، ألم يحن وقت الفطام؟ ألم يحن وقت أن نقوم بواجباتنا من غير أن نثقل ظهور ولاة أمرنا بالأوامر التي أصدرت ولكن لم تنفذ، وندرس حقوقنا وواجباتنا، وما لنا وما علينا، وليقوم الإعلام بدور إيجابي من نشر للوعي بدل الفضائح الإعلامية، والإعلانات التجارية التي تدخل مدخولا هائلا من المال، ولا تدخل ولا مبدأ واحدا من مبادئ الاستقلالية والاعتماد على النفس والتعريف بالمبادئ الوطنية والحقوقية، أما آن الأوان للتغيير النمطي والسلوكي في الاعتماد دائما على الآخر، لنيل الحقوق ونستثمر هذه الفورة الإعلامية، والنهضة العلمية، لنشر ثقافة جديدة، للتعريف عن الحقوق، فالحرية الشخصية تنتهي عند حدود ابتداء حرية الآخر. الضجيج في المعاملات لا ينتج عنه إلا دوي يصم الآذان، والجهل بالقوانين هو ما يزيد اشتداد المفسدين، والوطنية هي سر الهوية، والحقيقة ومعرفة الأمور هي الوضوح في الرؤية لمستقبل نوره يضيء السبيل لمن أراد حقوقه كاملة غير منقوصة.
فلنشمر عن سواعدنا وننزل حلبة العلم، ولنصارع بروية وسكون الريح، وندافع عن الوطنية وحقوقنا المدنية، فلم يذهب حق وراءه مطالب قط، ولكن الحق يذهب بعيدا عمن لا يريدون التعب ولا العمل بل يريدون صينية من الذهب. فتذكروا ما استحفظكم الله من كتابه، واستودعكم من حقوقه، فإن الله لم يخلق الإنسان عبثا، ولم يترككم سدى، ولم يدعنا في جهالة ولا عمى، فقد علم أعمالنا، وكتب آجالنا، وأرسل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما يحب من الأعمال وما يكره، ونواهيه وأوامره. وإذا أحب الله عبدا أعانه على نفسه.

همسة الأسبوع
عن علي رضي الله عنه: اعلموا أن الأمل يسهي العقل وينسي الذكر
فاكذبوا الأمل فإنه غرور وصاحبه مغرور.