رجل لكل زمان ومكان ، هذا ما كان، رحل رجل كان صمام الأمان، نادر في هذا الزمان، يحمل وزر وعبء مملكة مترامية الأطراف، لثلاثة عقود من الزمان، ثم ذهب في رحلة النسيان.
لـُـقِب برجل الأمن والأمان، من بعد الله، ورحل من هذه الدنيا بقلب ناصع البياض، لا يتخلله أجندات ، بل خالٍ من معطيات هذا الزمان، الذي بات يعج ويضج برجال، أو أقول عليهم مخلوقات لا تمت للرجولة بعنوان.
قيل عنه الكثير : حامي الديار، سيف الأبرار، مرهب العدو، الأمن والأمان، شديد الحنكة، وفي المقابل نعتوه بمسميات أخطأت العنوان والكيان، فقالوا عنه أنه: حامي السُنة، ، عدو الأقليات، مشتت الفلول، وكثير من الألقاب أخطات الفهم والعنوان.
فقد كان قبل كل شيء الإنسان، الذي تناسوه في غياهب جذبه في كل الاتجاهات. أضاعوا الجوهر وتلاعبوا بالمظهر، وضعوا أقنعة عليه عندما أرادوا الاختباء وراء مسارات من غير استحياء، ومشى بصمت من غير ضجيج، وأمر بما كان ، خطط استراتيجية لضمان أمن التراب والمواطن، وإن كره الآخرون الطرق التي اتبعها، مادام كانت في صالحهم في الأخير، مثل الأب والأم اللذان يفرضا فرمانات لا يفهمها الأبناء إلا عند بلوغهم،وأخذهم مكانهم، فعندها فقط يفهمون لغة الفرامانات التي كانت تفرض عليهم، وكانوا يحسبونها ظلما وعدم تفهم ، والانفراد في الرأي، ولكن القلة منهم أدركوا أنها لصالحهم، ولا تمت لهم شخصيا بصلة، إلا مصلحة الأبوين أن يروا أولادهم يتمتعون بالاستقلالية والأمن والأمان وعدم التبعية إلا لرب العزة والجلال .
جريدة يومية عنونت صورة كبيرة لولي العهد الجديد الأمير سلمان بن عبدالعزيز ووزير الداخلية الأمير أحمد بن عبدالعزيز( وطن يتجدد) وأنا أقول : بل "وطن يسير ويتقدم"، لأنهم كلهم أبناء عبدالعزيز وطن واحد، ووجودهم كان ولا يزال وسيستمر وإن اختلف الحدث أو الشخصية أو الهدف، فالوطن لطالما احتضن كل أشبال عبدالعزيز وأحفادهم كحماة لهذا التراب، مهما تبدلت الأدوار، وذهب رجل ، ولكن ستبقى دائما بصمة أبناء عبدالعزيز وأحفادهم مهما تبدل الفهم والعنوان.
مات إنسان فعزوا فيه البلاد والأبناء، وبعد يوم باركوا لولي العهد الجديد، وتمضي الأيام بمسميات و"وطن جديد يتجدد"، ولا تبقى سوى الذكريات.
سنة الله في خلقه ومعجزته الإلهية: وهي "النسيان" ، ننسى وبسرعة البرق الإنجازات والعطاء، ونمضي بالمدح والكذب والنفاق، وننمي الأحزاب، وهذا تابع لهذا، وهذا كان لذاك.
ويأخذ الحزب الجديد القيادة، ومن معه يسيرون وكأن الحكم أصبح لهم ، والعهد الجديد كما يسمونه بداية لأسماء كانت بالأمس مهمشة، أو على الأقل ليست بنفس القوة والسلطة والقيمة.
نايف "الإنسان"، سيبقى مهما طال الزمان أو قصر، فالرجل كان طويل القامة، قوي الفعل، وناصع السريرة، أما "رجل الأمن والأمان" فسيظل موضع حيرة وجدل وتساؤلات عديدة، واختلافات في وجهات النظر، وهذا ليس بخطيئة.
ها هي قمة العشرين تنعقد من قريب وبعيد، ولكن هذه المرة يوجد لها خصم عتيد، وأتمنى بديل، فقد أسسوا في أوروبا قمة الشعوب والأمم، وهي مؤسسة لتكوين حركة شعبية، أهدافها واضحة وجلية، وهي الرأي والرأي الآخر للقضية، فلماذا لا نجتهد ونبني قمة في بلادنا الحبيبة، مدنية ، تزيل العبء عن الحكومة، وتضم شتى الطوائف والمذاهب والأجناس المقيمة، لتوحيد مطالب دستورية تحتوي الجميع وتهتم بالحقوق الإنسانية، وتكون ورقة تشريعية لضمان حقوق المواطنة والعشيرة والذين أقاموا في هذه البلاد منذ مدة طويلة وشاركوا في بناء هذا الوطن، كما الحال في بلاد قمم العشرين الذين أصبحوا بفضل الله ثم المقيمين من أشد وأقوى قوات العالم تأثيرا وانتماء لمواطنيها، بعضكم سيقول : ما هو القاسم المشترك بين رحيل الأمير نايف عن الساحة ، وتولي ولي عهد جديد بهذه القضية؟
وهنا أقول : كلنا أخطأ العنوان والاتهامات العفوية واللاعفوية، وحملنا هؤلاء الرجال في القمة ما لا يجب أن يتحملوه من مسؤولية، والتي يجب أن تكون مشاركة وطنية، لذا يجب أن نتحد في وضع الحلول الأمنية وفاء لذكرى رجل أمسك أمن البلاد وأرسى قواعد أساسية لمن بعده، وأن نقول كما قال نايف: "كلنا وطن.. وكلنا مسؤول"، كلنا جنود نحمي التراب الوطني من الأعداء الخارجية، وولي عهد البلاد الجديد يحتاج لكل مساعدة من مجتمعنا المدني لإرساء قواعد أساسية، ووزير الداخلية محتاج لكل السواعد للمصالحة الوطنية، والتقدم والازدهار، في اتخاذه القرار من خلال إرث ورثه عن نايف الجبل الشامخ الذي كان بحد ذاته قمة، كما كان قبله الرجال من أسرة آل سعود.
فقمة العشرين ترينا وبوضوح أننا محظوظون ونتمتع بالرخاء والأمان، وهذا لم يكن بسهولة وانسياب، وهو نتيجة تعب وسهر صقور الجزيرة العربية، وعلى رأسهم نايف وأشباله، وفي المقدمة عبدالله ملك الإنسانية.
وقمة العشرون وقمة الأمم والشعوب ما هي إلا مثال لما يجب علينا أن نطبق. ونرى ونتعلم ونستشف منها ما آلت إليه الشعوب المتحضرة التي كانت وما زالت لا نعني لها شيئا إلا آبار نفط ومناجم ذهب وثروات، وطرق لوضع وإزالة أجندات لكل ما يسمى بالديمقراطية التي زرعت في عقولنا.
وما قمة الشعوب إلا ترجمة بأنهم محاربون من أممهم وشعوبهم لأن رجالهم يجتمعون في القمم، ولا يأبهون بالقيم التي من أجلها حاربت شعوبهم لأجيال باسم الديمقراطية.
فقد أخطأنا العنوان في كثير من الأمور، وأولها أننا في كل شيء ننسى أن الإنسان لا يدوم ولا تبقى إلا سيرته وعمله وما يسطرون، وعدم رفاهية الشعوب الأوربية والغربية وحالتهم الاقتصادية ما هي إلا ترجمة فعلية لما يسمونه عندهم بالديمقراطية.
فإن نسينا نايف كما الذين من قبله، واختلفنا في الآراء حوله، يجب ألا ننسى أن الذي بعده سيجتاز نفس الطريق والاختبار، ولن يبقى في الساحة والذاكرة إلا الإنسان.
فالقمم دائما وخاصة في هذا الزمان، يجب أن تذكرنا بحالة بلدنا.
فلننظر حولنا ، رسالة واضحة للجميع، أن كل إنسان ذاهب لا محالة، ولكن في الأخير يجب أن نتعلم من الدروس التي تواجهنا كقادة وشعب بأننا جسم واحد، فهذا الجسم مملوء بالأمراض،التي أتمنى ألا تكون مستعصية، فالدواء موجود لمن يريد الشفاء.
همسة الأسبوع
ودعنا نايف الإنسان ، واستقبلنا سلمان الحكيم، واستودع نايف أمن البلاد في يد الله، ثم يد أحمد الهادئ المجتهد، الذي تعلم في مدرسة نايف، وكان تلميذه والرفيق، فلنسأل الله تعالى لهم التوفيق في هذه المهمة الكبيرة والخطيرة للحفاظ على هذا التراث العريق، ولا ننسى في خضم التبريكات والمجاملات شبل نايف" الأمير محمد"، الذي ضحى بالغالي والنفيس للحفاظ على أمن حدودنا من كل عدو حتى من أرتدى بدلة الصديق.
عتاب الأسبوع
عتبي على كل هجوم في وقت عصيب، عتبي على كل من أخطأ العنوان في تسمية الغائب الشهيد، عتبي على كل من يرى قمما تعقد ، وأمما تسقط، ولا يعتبر ، ولا يقدر من هم ساهرون على أمننا في عهد نايف وعبدالله الإنسان الرقيق.
عتبي على الذين لا يقدرون العطاءات ويستغلون المناصب الجديدة لبلوغ أهداف دنيوية من غير تفهم عميق، أن الدنيا زائلة ولن يبقى إلا خالقها ، وهذا وعد أكيد.
*كاتبة سعودية
twitter@TherealBASMAALS