كلما سألنا عن معاملة أو شكوى أو قانون يقولون لنا :"على طاولة الوزير"، عدة سنوات وأنا أكتب وأطالب بتغيير شكل طاولة الوزير، فالمفروض أن يخترع لها شكل جديد يناسب حجم المطالب والمسؤوليات، واحتواء الكم الهائل من الشكاوى، والمعاملات التي أصبحت مثل الإنسان تئن بصمت وخوف من تناسي الوزير، أو وضعه على لائحة المفقودين، فأنا شخصيا أرى أنه من المفروض اختراع نمط جديد، ليواكب سعادة الوزير في تطلعاته لخدمة شعبه الوفي الصابر، منذ عقود، منتظرا تغيير شامل وجذري لشكل ومحتوى طاولة الوزير.
لذا فكرت بجدية، وتأملت مليا، وأصبحت مثل أينشتاين أحك رأسي، وأفرك فروة رأسي، حتى أضاءت اللمبة في عقلي، ورأيت الحل يكمن في مواكبة العصر واستخلاص ما تنفقه الحكومة على الوزارات في شراء أجهزة وتحديث، ولكن للأسف لا نرى في الواقع إلا الإنارة ، وسيارة ، وبيت الوزير الذي يزداد مع الأيام فخامة، وثراء، وبالمقابل لا تزال التقنية بعيدة عن متناول طاولة الوزير، التي هي بأشد الحاجة إلى حلول عصرية وتقنية وضخ أموال، بدلا وعوضا عن سير الأموال المعتاد، التقنية: هي التي ستحل المشكلة، إذا تعلم الوزير الحكمة، وأخذ دراسة جدية بكيفية التعامل مع التقنية الحديثة، ويطلب من مدير مكتبه،- الذي أصبح وزيرا بحد ذاته-، بأن يدخل في حاسوبه كل المعاملات المتعطلة منذ دهور مع شرح بسيط للحلول، ومن غير الدخول في التفاصيل المملة، التي أطاحت بهمة الأمة، وبذلك يجلس وزيرنا على طاولة بشاشات صغيرة عديدة، مرتبطة بكل جهة معينة، وصور حية للمناطق أو الأجهزة التي هي مسؤوليته اليومية، ويحلها بواسطة التقنية، بسلاسة، وتفعيل مباشر وفعلي بدلا من إرسالها إلى أمريكا لحل المشاكل واستصدار الميزانيات التي هي من دور الوزير، لا من دور المؤسسات الكبرى غير الوطنية التي يناط بها هذه الأدوار، فنفشل وطنيا، حتى عن إيجاد الحلول لمشاكلنا اليومية ولميزانيتنا الوطنية، فهذا ولهذا يصبح الوزير والوزارة تحت سيطرة مباشرة لجهات عدة لا تعرف بالأصل ولم ترى المشاكل على الأرض الحقيقية، لمعاناة البشرية واحتياجاتها للحلول الفورية، لذا يجب علينا الانتظار منذ الآن حتى ننتهي من تدريب الكوادر البشرية، عوضا عن البحث عن الحلول في البلاد الأخرى، لتفعيل والمبادرة بالحلول الوطنية بواسطة أيدي وعقول سعودية.
فالحلول بسيطة، ولكن سعادة الوزير ومن حوله لا يريدونها ، لأنها لا تخدم مصلحة الشركات الكبرى التي تستعين بجهات أكبر دوليا، لتحل لنا أزماتنا ومشاكلنا اليومية، التي لا تزال "مرمية" على طاولة وزيرنا البدائية.
فمن البديهي أن أمورنا معطلة، وسنستمر على الحالة نفسها إن لم نستثمر ثرواتنا في تغيير سلوك وأنماط المسؤولين في مكاتب الوزراء المعنيين، و لتدبير شؤون الخلائق، واستثمار الأموال في بناء الإنسان.
نبتعث آلاف الطلاب للخارج، ويعودون ولا يحتلون المناصب العليا إلا القليل، فهم الذين يحملون أسماء رنانة، أو أقرباء من الجهات المسؤولة عن التوظيف في هذه المراتب الغنية عن التعريف، غاضين النظر عن مؤهلاتهم، وهل أمضوا أوقاتهم في الدراسة الجدية أم في الملاهي الليلية.
من الأجدر أن يكون هذا هو المفهوم العام الجديد الذي من المفروض أن يطبق ، لا لحاجة في نفس يعقوب، بل لتسيير الأمور، والدفع بالمواطن السعودي العادي الذي لا يحمل فوق اكتافه رتبا عائلية، بل أوسمة وشهادات تؤهله لهذه المناصب الفخرية، التي من المفروض أن يتبوأها من لديه الكفاءة ، وليس من لديه الكفاية.
على طاولة الوزير تنحل العقد، وعلى طاولة الوزير تفشل مشاريع لو أنها استثمرت بالشكل الصحيح لعادت على بلادنا بالكثير.
وهنا أعطي الوزير الحل حتى لا ننتهي إلى نفس المصير الذي انتهت إليه كثير من المشاريع الوطنية لمجرد عدم تفعيل أو إقرار أو إعطاء حقوق لأصحابها، ونظل دائرين في دائرة التضليل.
التقنية مع عقول تعرف كيف تشغلها يا سعادة الوزير، لكي لا تقبع المعاملات على طاولتك لعقود، إلى أن يجيء دورها للتفعيل، بعد إرسالها بواسطة البريد إلى الجهات التي لا تعرف لها حلولا إلا التعطيل.
الموارد البشرية الوطنية، أيها الوزير تريد منكم برامج لتستطيع العمل على تطوير مكاتبكم، وأجهزتكم، التي لابد لها من تقدم وتحديث، نريد منك أيها الوزير الخضوع لبرامج تؤهلك للفهم، والثقافة العصرية، بحيث تكون ذات مفعولية، وتاثير على القرارات المبنية على التقنية العصرية، أيها الوزير والوزراء، مكاتبكم يجب ان تحدث، ويجب الاعتراف بالإخفاق في فهم المؤشرات الخطيرة على مستقبل البلاد الاقتصادي.
يجب منكم استقراء وتعلم مناهج عصرية حديثة، لتنقلكم إلى عصر التقنية الإلكترونية، قبل دخولكم مكاتبكم الفخرية.
أيها الوزير يجب أن نقول من الآن فصاعدا :" ليست على طاولة الوزير " بل في جهاز الوزير المحمول، وهي ستفعل غدا في المنطقة المعينة، في تلك البقعة الجغرافية، لأنها سترسل بواسطة التقنية الحديثة، وتصل بثوان للجهات المعنية، وسترى بنفسك بواسطة الأقمار الصناعية تحول المناطق إلى خليات نحل، الكل فيها له دوره المحدد، لتكتمل الصورة ويأكل الجميع من رحيق هذه المناحل، عسلا شفافا نقيا، وإن اختلفت "الطعمة" والكمية، فالله لم يخلقنا جميعا سواسية.
همسة الأسبوع
ما يمنعنا أن نكون مثل دولة شقيقة أصبحت لديها أيدي وأرجل في أرجاء المعمورة، لأنها استثمرت في الإنسان وبدأت بالتغيير والتدبير والتفعيل قبل وصول المؤامرة الكبرى لحدودها المعروفة لدى الجميع، وصوتها أصبح من المسلمات إن كنت تريد السلام والثبات قبل فوات الأوان.
*كاتبة سعودية
twitter@TherealBASMAALS