ما رأيناه عبر شاشات التلفزة الأسبوع المنصرم كان مؤلما بكل المقاييس الإنسانية، قتل وتعذيب معمر القذافي ديكتاتور ليبيا السابق تقشعر له الأبدان ، وعبرة لكل إنسان يحسب نفسه فوق سيطرة العدل الإلهي، وفوق كل قوة إنسانية وما فوق الطبيعة كما كان يسميها، ولكن الآن حان وقت الحساب ودفع الديون التي أصبحت مثل العيون الجارية والأنهار المتدفقة والبحار الواسعة والمحيطات العميقة، فلم يفكر هذا الطاغية ولو لحظة بما ستعود عليه أفعاله، ومثله الآخرون من الطغاة في كل أنحاء العالم وعبر التاريخ، وقد نسوا قدرة الله عليهم، ولذلك أتت قدرتهم على العباد، وكما نرى الآن علي عبدالله صالح وغيره من الحكام الذين يسعون للإصلاح بكل طاقاتهم للبقاء على كراسيهم الذين نحتوا أسمائهم بدماء الشهداء الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل كلمة حق وحرية تقرير المصير، والكلمة الحرة والمساواة المعيشية والحقوق المدنية والاجتماعية، فالكل أصبح الآن شغله الشاغل الإصلاح، بعدما كانت بالأمس مجرد كلمة إصلاح تكفي بأن يلوث الإنسان بهذا المصطلح ويترك بالسجون لعقود وأيام لا يعرف مداها ولا مصيرها إلا رب مقتدر، أما الآن فيتسابقون ليجعل عناوين الصحف مملوءة بالإصلاحات التي إن نفذت لكانت الأنظمة كلها بخير وعافية، خالية من الأمراض المستعصية، ولكن عند سؤالي الذي كان دائما ولا يزال مصدر قلق للآخرين ويجلب لي المتاعب التي لا تحصى، وتعرضني لاحتمالات خطيرة جمة، فالجواب هو إنها كلها إعلانات مبوبة للبقاء والجلوس والحكم والضحك على الذقون، الذي أصبح من الواضح أنه لن يستمر كثيرا بعد استيقاظ الشعوب من غرب الكرة الأرضية لشرقها ، ومن جنوبها حتى شمالها، فالكل أصبح يطالب بالحقوق ، والكل أصبح لا يخاف السجون، وما نرى الآن في أمريكا خير دليل عما ذكرته منذ شهرين في مقالي ، أنه حتى أمريكا لن تسلم من رياح التغيير التي ستشمل العالم بأسره، فمن يظن أن أمريكا ستدوم لحمايته فليقرأ التاريخ بعناية ووضوح، وسيعرف أن لكل أمة بداية ونهاية، ومن يقرأ القرآن بعين مؤمنة وجلية سيعرف أن لكل أمة صعود ونزول ، وان الله يمهل ولا يهمل، فليتسابق المتسابقون لبدء صفحات الخير عوضا عن الاستماتة للجلوس على المقاعد والشعور بالنشوة عند زيارة شخصية أمريكية أو غربية، حيث تعلو الابتسامة محياهم وتبدو في الصور أسنانهم بيضاء وأساريرهم جرداء للعين المبصرة بأنهم متأكدين من الفوز لأنهم استطاعوا أن يحصلوا على رضاء من هم في ظنهم حماتهم في سلطاتهم، ونسوا قبل أيام أن من كان في السلطة وقتل أو حبس كان أيضا صديقا لتلك القوات ، وكان أيضا بالأمس يحسب أن لا يقدر عليه أحد، أين كانت الديمقراطية حين استقبل ساركوزي القذافي وأسكنه فسيح حدائق الشانزلزيه، أين كانت الديمقراطية حين كان حسني مبارك الضيف المفضل في البيت الأبيض، فلتستيقظ الشعوب وتدرك أنها لن تنال مطالبها بالاتكال على من سقطت منه ورقة التوت، وأصبح عاريا للعيون المبصرة وسيناله التغيير الإلهي عما قريب، فلينتظر المنتظرون وسيرون أن لكل عصر دولة ورجال ، ولكل قوة عظيمة هفوة وارتطام ، ثم نزول الهاوية والزوال، ولا يبقى إلا ذو الجلال الباقي وصاحب الزمان إله واحد منصف شاهد على كل إنسان ، سيترك هذه الدنيا خالي الوفاض إلا من رقعة من ثوب خشن، يستر به عورته عن الملك الموكل بالحساب، فليتسابق المتسابقون وليخافوا يوم لا ينفع فيه لا مال ولا بنون لنشر العدل وإجلاء الظلام الذي يحكمه الظلم والعدوان.
همسة الأسبوع
من يحسب نفسه فوق الحساب فلينظر حوله ويعتبر قبل فوات الأوان.
*كاتبة سعودية
b.saoud@hotmail.com
مقالة رائعه
ReplyDelete