Friday, 7 May 2010

حديث الساعة

“وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا” صدق الله العظيم، فقصة الاختلاط في المجتمع السعودي وأقول المجتمع السعودي وليس المسلم هو موضوع جدل وإثارة منذ عقود قريبة وليست بعيدة، فمنذ ما يقارب الأربعين عامًا لم يكن أبدًا هذا الحديث له أهمية، لأنه كان من الطبيعي أن تكون المرأة في الحقل بجانب الرجل، وأن يلعب الأطفال مع بعضهم البعض بدون الشعور بالذنب، أو حتى تفكيرهم بأن يوجد طرف آخر لأنه ببساطة لم تزرع في عقولهم منذ الصغر، الفرق بين الرجل والمرأة، وإن اجتمعوا كان ثالثهم الشيطان، ألم يعلموا في ذلك الوقت أن الشيطان يسري في الإنسان بمجرى الدم في جسم ابن آدم، أم كانوا محصنين بالوازع الديني والتربية السليمة البعيدة عن التهديد والوعيد والتستر وراء الجدران العالية التي لم تكن موجودة بين الجيران، والوسطية في الحياة، فلا اختلاط محرم بين امرأة ورجل نيتهما الفجور، ولا منع من اختلاط العوائل والرجال والنساء أثناء العمل والدراسة، فكنا نرى الصبيان في أروقة الشوارع الضيقة، ولكنها كبيرة في قلوب ساكنيها ومرتاديها والبنات من ورائهم يدرسون جميعًا القرآن والبيان، ويسمعون بانبهار القصص النبوية والسيرة المحمدية بكل حب للمعرفة، متخذين من هذه الساعات فرصة للعب البريء بعيدًا عن أعين الأهل، والمربين الفاضلين الذين زرعوا معاني الحلال والحرام بكل احترام للذات بين طيات هذه القلوب الصغيرة لتصبح فيما بعد معاهد ومدارس يتخرج منها أجيال الوسطية والتفاني في العمل ووضوح الرؤية، والحياة الطيبة بدون تهديد بالنار وعواقب من يتكلم مع ابنة خاله أو عمته من غير رقيب ولا تهديد ولا وعيد.
هل كان الرعيل الأول من جنس غير جنسنا، أم هي عقولنا وفهمنا للحرام والحلال والاختلاط المصطلح الجديد الذي يحارب به بعض المشايخ الأفاضل الذين تجرأوا أن يقولوا لا “لا يوجد” هذا المصطلح أصلاً في الإسلام للعقول المتحجرة التي ترى بعين واحدة، وتسمع بأذن واحدة، وترفض الحوار والنقاش والوسطية، فكل العالم الإسلامي ومشايخه على خطأ ونحن مع بعض مشايخنا على حق، فلماذا نرى أنفسنا دائمًا فوق المحاسبة؟ وأننا الوحيدون الذين نملك مفاتيح الجنان ومفاتيح أبواب جهنم، نزج مَن نريد في جهنم وبئس المصير، وندخل الجنة من نريد بدون حساب؟ أشيخ الأزهر ومشايخنا الذين تجرأوا وقالوا الحق، ومفتو البلاد من الشرق إلى الغرب على خطأ، ومجمعات الفقه الإسلامي على عدم بيّنة، وفي مجتمعنا الذي تربى على النظر إلى المرأة كعورة، وكغواية، وكأداة يلعب بها على أوتار قيثارة الدّين المحرمة، فأين لشبابنا أن ينضجوا إن طبخوا على نار التطرّف الهادئة والفهم الخاطئ للدّين؟ فيصبحوا لينين ومجهزين للأكل من قبل الأطراف الدينية المتطرفة التي بتنا نعرفها كلنا، ومصادرها وأهدافها، وبكل وضوح لتنتج شرخًا عميقًا بين كل شرائح المجتمع، ليصبح بعض منهم تحت تأثير المخدرات، والبعض المسكرات، والبعض وهم الأشد ضراوة، وخطورة المتطرفين دينيًّا لأنهم يُحلّون ما حرّم الله وهي دماء المسلمين.
على ماذا نحن هائجون مائجون كأمواج البحار والمحيطات الأطلسية؟ على ماذا أشغلنا أنفسنا وضمائرنا ودراساتنا وهجومنا؟ إلى متى سننجرف تحت مسمّى الدّين إلى هاوية التطرّف والجهل وعصور الجاهلية ونسمّيها بالعصور الإسلامية الذهبية؟ إلى متى سنظل أسرى أهواء البعض، ليقذفوا بمجتمعنا الذي كان بالأمس يتصف بالوسطية والاعتدال والمنهجية الإسلامية. فبعد أحداث سبتمبر وأحداث أسامة بن لادن، والقاعدة أصبح البعض منا أداة تهتز ذات اليمين وذات الشمال على حسب مزاج القاعدة ومسؤوليها، وتبعا للكاتبين عبر الشبكة العنكبوتية والشبكة التلفزيونية والمعارضة الخارجية مثل الفقيه وأمثاله. ألم نتعلم بعد الدرس، إننا كسعوديين كنا محترمين من الناس أجمعين، وكانت دول العالم قاطبة ترحب بنا بدون شروط ولا استنفار، ولا تدقيق، وبعد أحداث المحارب! الشجاع! المقدام! أسامة بن لادن! وصاحبه المعارض الفقيه، أصبحنا أناسًا غير مرغوب فيهم، ومراقبين في كل مكان ولا تعطي لنا التأشيرة، ولا ندخل أي بلد إلاّ بعد شق الأنفس لماذا؟ لأن البعض تطوع ليخدم مصالح بن لادن وغيره، من تشدد وانغلاق وما لها من أهداف سياسية، لخرق نظامنا واستقرارنا، وأمننا لأنه وبكل بساطة لم يقدروا علينا من قبل، فنشروا الفساد، واستشرى التطرف والأفكار المتشددة، لتوجه أسهمها للداخل وتحدث انشقاقًا بين أبناء وبنات الوطن من غير حروب، ولا معدات، لأنهم أيقنوا أن المتفجرات لن تغير المجتمع، بل ستقلبهم ضدهم، فرأيناهم في الإعلام ينشرون الأفكار الخاطئة والفئات المتطرفة تندس في مجتمعنا، داخل الهيئة الدينية وهي الطريقة الوحيدة والأمثل للحصول على النتيجة النهائية، وهي تدمير المجتمع السعودي من الداخل وتسليطنا على بعضنا البعض، وهذا ما نراه للأسف في حياتنا اليومية، ونسوا أن «من يغلل يأتِ بما غل يوم القيامة».
همسة الأسبوع
إن كان هلال الإسلام في أيدينا، فماذا نرى في النجوم؟ اقبضوا على نعمة الإسلام والأمن في بلادنا قبل فوات الأوان.

1 comment:

  1. والله برافوا عليكي
    يعجبني منطقك في الكتابه
    وكتاباتك تنم عن وسطيه بالمنهج وحسن بالتفكير وعدم طغي العادات على الواقع والحق
    وهذا شيئ مميز
    الله يجزيكي الخير

    ReplyDelete